لوامع الحقائق في أصول العقائد - ميرزا أحمد الآشتياني - ج ١ - الصفحة ٢٤
أن من وظيفة سلطان كل مملكة أن يجعل بين أهلها طبيبا أو أطباء يعالجون المرضى، ووظيفتهم الرجوع إلى المعالج، كذلك من لطفه تعالى بعث عالم منزه معصوم إلى الخلق في كل زمان، وأما رجوع الناس إليه فهو من وظيفتهم، وليس عليه سبحانه إجبارهم على ذلك، كجعله تعالى من باب لطفه العميم شوق الرئاسة والسلطنة في طبع بعض العباد، وإقداره الخلق على اختيار الملك العادل، لا إجبارهم عليه.
وأما الكلام في المقام الثاني أي النبوة الخاصة، فبعد ما ثبت بالبرهانين المذكورين في النبوة المطلقة، أنه لا بد في تمامية حكمة إيجاد العالم الجسماني وانتظام أمور الخلق معاشا ومعادا، من وجود عالم حكيم منزه معصوم، من غير اختصاص ذلك بزمان وقرن معين، نقول: إن نبي زماننا هذا - وهو خاتم الأنبياء - محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وآله، الذي بعثه الله عز وجل إلى كافة العباد في زمان غلب على أهله الفساد والتوحش، ولا سيما في جزيرة العرب، ولذلك صار معروفا بزمان الجاهلية، لكثرة جهال أهله، والسفلة من عباد الأصنام، ولنعم ما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في بيان حال أهل ذلك العصر: " وأهل الأرض يومئذ ملل متفرقة، وأهواء منتشرة، وطرائق متشتة، بين مشبه لله بخلقه، أو ملحد في اسمه، أو مشير إلى غيره " (1) وكانت أخلاقهم في غاية الرداءة والدناءة، يقتلون أولادهم خشية إملاق، وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به، أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ويقتلون من عشيرة القاتل الذي قتل واحدا من أفراد قبيلتهم،
____________________
(1) نهج البلاغة خطبة 1 ص 8 - 9 ط إيران سنة 1302 وص 19 مطبعة الاستقامة بمصر إلا أنه ضبط في موضع طرائق لفظة طوائف.
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»