لوامع الحقائق في أصول العقائد - ميرزا أحمد الآشتياني - ج ١ - الصفحة ٢٧
معه بمكة من المسلمين بالخروج إلى المدينة، وكفار قريش لما اطلعوا على بيعة حي من أهل المدينة معه، وانتشار دعوته فيها، شاوروا في أمره، فاتفق رأيهم على التهاجم على بيته في الليل لقتله، فأخبره الله عز وجل بسوء قصدهم، وأمره بالخروج من بلده إلى المدينة.
ولما نزل صلى الله عليه وآله بالمدينة، ولم يكن هناك أولئك الأعداء الذين كانوا في مكة المعظمة، وصار جملة من أهل المدينة بفضله تعالى مقبلين إليه، وراغبين إلى استماع مواعظه ونصائحه، وانتشرت دعوته إلى الإسلام في عدة من البلاد، توجهت إليه الوفود، ومن جملتهم نصارى نجران وقائدهم أسقف وهو حبرهم وإمامهم، وله فيهم شرف ومنزلة، وطالت المحاجة بينه صلى الله عليه وآله وبينهم، وانتهى الأمر إلى المباهلة، وقد حضر صلى الله عليه وآله مع نفر يسير من أهل بيته، وهم علي بن أبي طالب، وفاطمة، والحسن، والحسين عليهم السلام، فقال الأسقف لأتباعه: إني لأرى وجوها لو سئلوا الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فانصرفوا عن المباهلة، وقالوا: يا أبا القاسم إنا لا نباهلك، ولكن نصالحك، فصالحهم النبي صلى الله عليه وآله على إعطاء الجزية فتقبلوا.
وبالجملة: رفع الله عز وجل ذكره، وكثر المؤمنون به، حتى تجهزوا للغزو مع أهل مكة، فتوجه صلى الله عليه وآله مع جنود وعساكر عظيمة إلى مكة المعظمة لفتحها، وقد علم أهلها مما بلغهم من أبي سفيان وغيره أن التابعين له صلى الله عليه وآله لا يتجاوزون عن أمره، ولا يختارون على طاعته شيئا، وكأن نفوسهم موضوعة على أكفهم ليبذلوها في نصرته ونصرة الإسلام، فاستسلموا بأجمعهم، واستقبلوا عساكر الإسلام خاضعين مسلمين، ولم يخرجوا واحد منهم للمبارزة والغزو معهم، فدخلوا فيها
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»