لوامع الحقائق في أصول العقائد - ميرزا أحمد الآشتياني - ج ١ - الصفحة ٢١
إداركا من غيره، وبحسب خصوصية أعضائه قادر على الاستفادة والانتفاع من كل شئ، فينتفع من الأرض والماء والنبات والمعدن والحيوان، و هو لكونه أكمل المخلوقات أشرفها، ومن شاهد السماء والأرض، وما فيهما، يرى أنها خلقت له، ولو لم يكن لوقعت جملة منها معطلة، ولكن لما كانت أفراد الإنسان صاحبة شهوات وأهواء نفسانية متقابلة متدافع بعضها مع بعض آخر، من شهوة الجاه والمقام، والملك، والنكاح والغذاء، وغيرها، ولازمه أن يطلب كل ما ينفع بحاله، ويدافع المزاحم له، يؤدي ذلك إلى الفتنة والفساد، ووقوع الهرج والمرج بينهم، ولا ينتظم أمورهم إلا بأمرين، أحدهما السلطان العادل المطاع الرؤف برعيته، الذي تكون سيرته جلب المنافع لهم، ودفع ما لا يصلح بحالهم كما قال تعالى في القرآن العظيم: " ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله " (1) والثاني وجود عالم منزه عن الرذائل، معصوم عن القبائح، معلم للأخلاق الفاضلة، مقنن للقوانين المحكمة التي لا نقص ولا خلل فيها بوجه، و حاكم بين الناس بما أراه الله عز وجل من غير طمع وتوقع أجر، ومخبر عن بقاء الأرواح في القيامة الصغرى والكبرى وتجسم الأعمال وجزاء الأفعال.
بيان ذلك: إن المفاسد والمضار والقبائح التي تقع في العالم على قسمين، قسم يقع على وجه ظاهر يتظاهر به فاعله، وقسم يقع على وجه لا يعرف فاعله ومرتكبه إلا بعد مدة، أو بالتوسل إلى وسائل استكشافية، والقسم الأول يمكن دفعه بإيجاد المانع عن وقوعه، أو الردع عن مثله ونظيره بتشديد العقوبة على فاعله بعد ارتكابه، والقسم

1 - سورة البقرة آية 246.
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»