" وقد رجح الجمهور قراءتهم هذه بالثابت عنه عليه الصلاة والسلام، إذ قال في قوم لم يستوفوا غسل أقدامهم في الوضوء: ويل للأعقاب من النار. قالوا: فهذا يدل على أن الغسل هو الفرض، لأن الواجب هو الذي يتعلق بتركه العقاب.
وهذا ليس فيه حجة، لأنه إنما وقع الوعيد على أنهم تركوا أعقابهم دون غسل، ولا شك أن من شرع في الغسل ففرضه الغسل في جميع القدم، كما أن من شرع المسح ففرضه المسح عند من يخير بين الأمرين.
وقد يدل هذا على ما جاء في أثر آخر خرجه مسلم أنه قال: فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى: ويل للأعقاب من النار.
وهذا الأثر وإن كانت العادة قد جرت بالاحتجاج به في منع المسح، فهو أدل على جوازه منه على منعه، لأن الوعيد إنما تعلق فيه بترك التعميم لا بنوع الطهارة، بل سكت عن نوعها، وذلك دليل على جوازها.
وجواز المسح هو أيضا مروي عن بعض الصحابة والتابعين " (1).
وقال محمد رشيد رضا - بعد أن قال: بأن أصح الأحاديث هذا الحديث -: " وقد يتجاذب الاستدلال بهذا الحديث الطرفان، فللقائلين بالمسح أن يقولوا إن الصحابة كانوا يمسحون، فهذا دليل على أن المسح كان هو المعروف عندهم، وإنما أنكر النبي عليهم عدم مسح أعقابهم " (2).
وإذا عرفت أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال هذا الكلام، أعني قوله: ويل للأعقاب من النار، أو: ويل للعراقيب من النار، في هذه القضية التي توضأ القوم فمسحوا على أرجلهم ولم يمس الماء موضعا من مواضع المسح، ظهر لك سقوط الاستدلال لوجوب الغسل بالأخبار المروية عن غير (عبد الله بن عمرو) المشتملة على واحدة من الجملتين.
كالأخبار الأربعة التي رواها مسلم بأسانيده عن (مولى شداد بن الهاد المهري) عن عائشة، أنها قالت لأخيها عبد الرحمان بن أبي بكر: أسبغ الوضوء فإني سمعت رسول