قلنا: هذا الوجه كان جائزا لولا ما نطق به القرآن من خلافه، لأنه تعالى لما قال: * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم) * (1) [ثم] قال عاطفا على ذلك:
* (وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه) * (2) فصرح بعلة حسن الاستغفار (3)، وأنها الموعدة، و [لو] كان الوجه في حسن الاستغفار [على] ما تضمنه السؤال، لوجب أن يعلل استغفاره (4) لأبيه بأنه لم يعلم أنه من أهل النار لا محالة، ولم يقطع في شرعه على عقاب الكفار.
والكلام يقتضي خلاف هذا، ويوجب أنه ليس لإبراهيم (عليه السلام) من ذلك ما ليس لنا، وأن عذره فيه هو الموعدة دون غيرها.
وقد قال أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي في تأويل الآية التي في [سورة] التوبة، ما نحن ذاكروه ومنبهون على خلافه (5):
قال - بعد أن ذكر أن الاستغفار إنما كان لأجل الموعدة من الأب بالايمان -: إن الله تعالى إنما ذكر قصة إبراهيم (عليه السلام) بعد قوله: * (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين) * لئلا يتوهم أحد أن الله U كان جعل لإبراهيم (عليه السلام) من ذلك ما لم يجعله للنبي (صلى الله عليه وآله)، لأن هذا الذي لم يجعله للنبي (عليه السلام) لا يجوز أن يجعله لأحد، لأنه ترك الرضا بأفعال الله تعالى