فأما أبو مسلم الأصفهاني فإنه فرارا من هذا السؤال حمل الكلام على وجه ظاهر الفساد، لأنه قال: إن الله تعالى أمر إبراهيم (عليه السلام) بأن يأخذ أربعة من الطير (1)، ويجعل على كل جبل طيرا، وعبر بالجزء عن الواحد من الأربعة، ثم أمره بأن يدعوهن وهن أحياء من غير إماتة تقدمت ولا تفرق من الأعضاء، وأمرهن (2) على الاستجابة لدعائه، والمجئ إليه في كل وقت يدعوها فيه.
ونبه بذلك على أنه تعالى إذا أراد إحياء الموتى وحشرهم أتوه من الجهات كلها مستجيبين غير ممتنعين كما تأتي هذه الطيور بالتمرين والتعويد.
وهذا [الجواب] ليس بشئ، لأن إبراهيم (عليه السلام) إنما سأل [الله] أن يريه كيف يحيي الموتى، وليس في مجئ الطيور وهن (3) أحياء بالعادة والتمرين، دلالة على ما سئل عنه ولا حجة فيه. وإنما يكون في ذلك بيانا لمسألته (4) إذا كان على الوجه الذي ذكرناه.
فإن قيل: إذا كان إنما امر (5) بدعائهن بعد حال التأليف والحياة، فأي فائدة في الدعاء وهو قد علم - لما تآلفت (6) أعضاؤها من بعد وتتركب - أنها قد عادت إلى [حال] الحياة؟ فلا معنى للدعاء (7) إلا أن يكون متناولا لها وهي متفرقة.