تنزيه الأنبياء والأئمة (ع) - فارس حسون كريم - الصفحة ١٩٨
منها: ان سليمان (عليه السلام) قال يوما في مجلسه وفيه جمع كثير: " لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يضرب بالسيف في سبيل الله " (1) وكان له فيما روي عدد كثير من السراري، فأخرج كلامه على سبيل المحبة بهذا الحال (2) فنزهه الله تعالى عن الكلام الذي ظاهره الحرص على الدنيا والتشبث بها لئلا يقتدي [به] في ذلك، فلم تحمل من نسائه إلا امرأة واحدة [ فألقت] ولدا ميتا، فحمل حتى وضع على كرسيه جسدا بلا روح تنبيها له على [انه] ما كان يجب أن يظهر منه ما ظهر، فاستغفر ربه وفزع إلى الصلاة والدعاء.
وهذا الوجه إذا صح ليس يقتضي معصية صغيرة على ما ظنه بعضهم حتى نسب الاستغفار والإنابة إلى ذلك، [وذلك] لأن محبة الدنيا على الوجه المباح ليس بذنب وإن كان غيره أولى منه، والاستغفار عقيب هذه (3) الحال لا يدل على وقوع ذنب في الحال ولا قبلها، بل يكون محمولا على ما ذكرناه آنفا في قصة داود (عليه السلام) من الانقطاع إلى الله تعالى وطلب ثوابه.
فأما قول بعضهم: ان ذنبه من حيث لم يستثن مشية الله تعالى لما قال:
" تلد كل [امرأة] واحدة منهن غلاما ". وهذا غلط لأنه (عليه السلام) وإن لم يستثن ذلك لفظا فقد استثناه ضميرا واعتقادا، إذ لو كان قاطعا مطلقا للقول لكان كاذبا أو مطلقا لما لا يأمن أن يكون كذبا، وذلك لا يجوز عند من جوز الصغائر على

(١) صحيح مسلم: ٣ / ١٢٧٥ ح ٢٢ - ٢٥. تفسير التبيان: ٨ / 514، مجمع البيان: 8 / 360 ، الدر المنثور: 7 / 182. وأخرجه في البحار: 14 / 106 عن كتابنا هذا. وفي بعض المصادر " سبعين " بدل " مائة ".
(2) في " ش ": بهذه الحالة.
(3) في " م، ش - خ - ": هذا، وفي " ش ": هذه الحالة.
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»