تنزيه الأنبياء والأئمة (ع) - فارس حسون كريم - الصفحة ١٧٠
الجواب: قلنا: ليس فيما حكاه الله تعالى من فعل موسى وأخيه (عليهما السلام) ما يقتضي وقوع معصية ولا قبيح من واحد منهما، وذلك أن موسى (عليه السلام) أقبل وهو غضبان على قومه لما أحدثوا بعده، مستعظما لفعلهم، مفكرا [منكرا] (1) ما كان منهم، فأخذ برأس أخيه وجره إليه كما يفعل الانسان بنفسه مثل ذلك عند الغضب وشدة الفكر. ألا ترى ان المفكر الغضبان قد يعض على شفتيه، ويفتل أصابعه، ويقبض على لحيته؟ فأجرى موسى (عليه السلام) أخاه هارون مجرى نفسه، لأنه كان أخاه وشريكه (2)، ومن يمسه من الخير والشر ما يمسه، فصنع به ما يصنعه الرجل بنفسه في أحوال الفكر والغضب، وهذه الأمور تختلف أحكامها بالعادات، فيكون ما هو إكرام في بعضها استخفافا في غيرها، ويكون ما هو استخفاف في موضع إكراما في [موضع] آخر.
وأما قوله: * (لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) * (3)، فليس يدل على أنه وقع على سبيل الاستخفاف، بل لا يمتنع أن يكون هارون (عليه السلام) خاف من أن يتوهم بنو إسرائيل لسوء ظنهم أنه منكر عليه معاتب له. ثم ابتدأ بشرح قصته، فقال في موضع آخر: * (إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي) * (4) وفي موضع آخر: * (ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) * إلى آخر الآية، ويمكن أن يكون قوله: * (لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي) * ليس على سبيل الامتعاض (5) والأنفة [- أي الغيرة -]، لكن معنى كلامه: " لا تغضب ولا يشتد جزعك وأسفك " لأنا إذا كنا قد جعلنا فعله ذلك دلالة الغضب والجزع فالنهي

(١) في " م، ش ": فيما.
(٢) في " ع ": وشريكه وحريمه.
(٣) سورة طه: ٩٤.
(٤) سورة طه: ٩٤.
(5) في " ش ": الانتفاض.
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»