غربة وأدفن في جنب هارون (1)...
وما أقسى أن يخرج الإنسان عن موطنه ويبعد عن أهله وذويه من دون أن يكون له خيار في ذلك، وما أشبه ذلك بالإلقاء في السجن حيث يفرض عليه نمط معين من الحياة، ويرى نفسه مقيدا بالالتزام به، وهو يخالف طبعه وما نشأ عليه.
وإذا كانت السنوات الأخيرة من حياة الإمام الكاظم (عليه السلام) قد مضت وهو ينقل من سجن إلى سجن، ويعاني من ثقل الحديد، فإن السنوات الأخيرة من حياة ابنه الرضا (عليه السلام) وإن لم تكبل فيها يداه ورجلاه بالأغلال إلا أنه كبل بقيود من نوع آخر، كان يعاني من ثقلها، وليس السجن الذي أودع فيه الرضا (عليه السلام) بأحسن حالا من السجن الذي أودع فيه الإمام الكاظم (عليه السلام).
ثم إن الإمام الرضا (عليه السلام) لما أراد الخروج من المدينة نظر إلى ولده الإمام الجواد (عليه السلام) وأقبل به إلى قبر جدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يحدث بذلك (عليه السلام) فيقول: ثم أخذت أبا جعفر - ولم يكن له ولد غيره في أشهر الأقوال وله من العمر سبع سنوات (2) - فأدخلته المسجد ووضعت يده على حافة القبر وألصقته به، واستحفظته رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالتفت إلي أبو جعفر (عليه السلام) فقال لي: بأبي أنت، والله تذهب إلى الله، وأمرت جميع وكلائي وحشمي له بالسمع والطاعة، وترك مخالفته، وعرفتهم أنه القيم مقامي (3).