كرامات السيدة المعصومة (عليها السلام) تتفاوت مراتب البشر في قربهم المعنوي وبعدهم عن الله سبحانه وتعالى، لتفاوت قابلياتهم واستعداداتهم، كما هو الحال في شؤونهم الأخرى، وذلك أمر طبيعي تقتضيه حياة البشر في هذا العالم الذي جعله الخالق الحكيم ظرفا للتنافس وزود الإنسان بالعقل والاختيار والطاقات المختلفة، وأودع فيه غريزة حب الكمال والسعي إليه، وهيأ له الأسباب المؤدية إلى ذلك، بمقتضى لطفه بالعباد.
وإذا كان ثمة ما يعيق أو يمنع فمرده إلى الإنسان نفسه، وقد تكفلت المباحث الاعتقادية بالبرهنة على ذلك.
وقد اختص الله بعض عباده بعنايات وألطاف خاصة بلغوا بها أعلى درجات الكمال البشري الممكن، وأدنى مراتب القرب المعنوي من الله تعالى، فجعلهم مظاهر لطفه ومجالي رحمته ومجاري فيضه، وذلك لطهارة ذواتهم، وصفاء نفوسهم، وخلوصهم التام لله تعالى، فكانوا مظاهر أسمائه وصفاته، حتى أنه تعالى مكنهم من التصرف في هذا الكون وسخر لهم الأشياء فاستجابت لهم طائعة، فصدر عنهم ما خرقوا به نواميس الطبيعة، وخالف السنن المألوفة، وهو ما يعرف بالمعجزة والكرامة، لأنهم يتمتعون بقوى خاصة هي فوق هذا العالم المادي،