إن هذا الموقف من الإمام (عليه السلام) يدلنا على أنه عالم بأن المأمون يريد أن يحقق أغراضه السياسية، وأهمها إثباته للعباسيين أن بإمكانه أن يعتمد على خصومهم فضلا عن غيرهم.
ومما يدلنا على سوء نوايا المأمون وعدم إخلاصه في هذه القضية إكراه الإمام (عليه السلام) على القبول وتهديده بالقتل، واكتفائه منه بالقبول الصوري، والتشديد على الإمام (عليه السلام)، ورصد جميع تحركاته (عليه السلام) ومحاسبته عليها، مضافا إلى ما سبق هذه القضية وما لحقها من أحداث مما يدل دلالة قاطعة على أن المأمون إنما أراد من هذا الإجراء تحقيق طموحاته السياسية التي لا تتحقق إلا بهذا النحو من التدبير، ولسنا في مقام دراسة هذا الموضوع، ونكتفي بهذه الإشارة التي تدل على أن الإمام (عليه السلام) عاش ظروفا قاسية وأياما صعبة عانى منها الآلام.
ولما كان الإمام (عليه السلام) يعلم بقساوة الأيام التي سيعيشها تحت رقابة المأمون في عاصمة ملكه وبما بيته له من مكائد، كان خروجه من مدينة جده (صلى الله عليه وآله وسلم) في حالة من اللوعة والأسى، وقد نعى فيها نفسه.
روى الصدوق بسنده عن مخول السجستاني، قال: لما ورد البريد بإشخاص الرضا (عليه السلام) إلى خراسان، كنت أنا بالمدينة، فدخل المسجد ليودع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فودعه مرارا كل ذلك يرجع إلى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب، فتقدمت إليه وسلمت عليه فرد السلام وهنأته، فقال: زرني، فإني أخرج من جوار جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأموت في