ثالثا: إني معك في كونه عالما بما سيؤول عليه الوضع، ولكن دوره التعامل مع الأمور بحسب مجرياتها وظروفها وإقامة الحجة على البشرية، وهو جزء لا يتجزأ من عملية امتحان الأمة (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) فكان من الممكن أن يكون علمه مبررا له لرفض الخلافة من أساسها، لكن لكونه إماما ولقيام الحجة بوجود الناصر وانهيال الناس عليه لمبايعته، وجبت عليه البيعة.
رابعا: استندت في إشكالك على فرضية التسليم بكونه معصوما، ومتى افترضت عصمته سلمت بأفعاله ومواقفه، لأنه لا ينطق ولا يفعل عن الهوى.
نعم، لنبحث عن سر ذلك الموقف ليكون درسا عمليا في مواقفنا كمسلمين استنانا بسيرة ذلك المعصوم، فأقول مختصرا: لم تنف أنه صالح حقنا للدماء بعد حتمية الهزيمة أمام جيش معاوية. ولم لا تقول أنها مخرج ذكي لتحويل النصر إلى هزيمة والسيطرة على أكبر قدر من المصالح، في الوقت المبكر بعد أن أقام الحجة على من غدر به لاحقا، وتعامل مع الأمور بظواهرها الطبيعية. وخلاصة الوضع كله تكفيك مقولته عليه السلام: (قد غررتموني كما غررتم من كان قبلي..).
وإن أبيت فهذه عناويين أعقبت مبايعة الإمام عليه السلام من المهم للباحث أن يتناولها بدقة ليصل إلى النتيجة التي سيصل إليها الإمام عليه السلام:
1 - التركيبة الاجتماعية المتمثلة في الحزب الأموي، والخوارج، والمذبذبين الشكاكين، وشرطة زياد المسمون ب (الحمراء)، يقدر الطبري عددهم بعشرين ألف مسلح ممن يسيل لعابهم أمام بريق الدينار والدرهم، وأصحاب المصالح! وهذه التركيبة بحاجة إلى عقلية قادرة على التعامل معها