بلى، فقد عاهد الإمام الحسن عليه السلام بأن تكون الخلافة له بعد موته، وإذا توفي الإمام الحسن عليه السلام قبله فإن الخلافة تكون للإمام الحسين عليه السلام بعد هلاك معاوية. بيد أن معاوية جهد على استحصال البيعة لولده يزيد الفاجر بشتى الوسائل والذرائع حين كان قد تحايل في التمهيد لإذاعة هذا الأمر في حياة الإمام الحسن عليه السلام، على ما تذكره المراجع المختلفة.
ثم إن معاوية تعهد للإمام الحسن عليه السلام بالكف عن مطاردة شيعته وحقن دمائهم، لكنه لم يترك وجها من أصحاب الإمام عليه السلام وشيعته إلا ونكل به أو قتله.. بل ونقض ما تعهد به من رفع السنة السيئة التي ابتدعها بسب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام على المنابر، ولكنه هلك وهلك الذين بعده، وهم على هذه الفعلة النكرة دائمون، حتى نهى عنها عمر بن عبد العزيز من بعد!
وما أصدق ما قال عن نفسه فيما حدثنا الزمخشري في ربيعه قال: قال معاوية: أما أبو بكر فقد سلم من الدنيا وسلمت منه، وأما عمر فقد عالجها وعالجته، وأما عثمان فقد نال منها ونالت منه، وأما أنا فقد تضجعتها ظهرا لبطن، وانقطعت إليها وانقطعت إلي. (ربيع الأبرار 1 / 90).
ومن ذلك اليوم، أعني يوم خلافة معاوية ويزيد، انفصلت السلطة المدنية عن الدينية، وكانت مجتمعة في الخلفاء الأولين، فكان الخليفة يقبض على أحداهما باليمين وعلى الأخرى بالشمال، ولكن من عهد معاوية عرفوا أنه ليس من الدين على شئ، وأن الدين له أئمة ومراجع هم أهله وأحق به، ولم يجدوا من توفرت فيه شروط الإمامة من العلم والزهد والشجاعة وشرف الحسب والنسب، غير علي عليه السلام وولده.