الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٥٤
ثم من الشام إلى كربلاء فالمدينة المنورة.
وقد كانت لها مواقف شجاعة - وهي امرأة مكسورة بفجيعة أهلها - حيث خرجت إلى باب الفسطاط في ساحة الطف ونادت عمر بن سعد:
" ويلك يا عمر! أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟! " فلم يجبها بشئ، فنادت: " ويحكم! أما فيكم مسلم؟! " فلم يجبها أحد (1).
وبعد أن أحرقت الخيام وتفرقت الأطفال.. زينب هي التي تجمع النساء والأطفال، تتفقدهم، وتتفحص عن الأيتام، حتى جمعتهم في خيمة وجلست عندها، وكأنها لم تصب بتلك الفاجعة الأليمة، فقد كان منها الحزم والصبر على البلاء، حتى جمعت المتشتت، وعالجت المريض، وهدأت اليتامى، وصبرت الثواكل والأرامل.
لقد أخذت موعظة أخيها الحسين عليه السلام طريقها إلى قلب زينب، فتعزت بعزاء الله، فوضعت يديها تحت جثمانه الموزع بالسيوف رافعة له وهي تقول: " اللهم تقبل منا هذا القليل من القربان " (2).
وحينما أراد عبيد الله بن زياد قتل ابن أخيها علي بن الحسين عليه السلام صاحت به: " يا ابن زياد! حسبك من دمائنا " واعتنقت عليا وقالت: " والله لا أفارقه، فإن قتلته فاقتلني معه " (3).
وفي الكوفة خطبت تلك الخطبة المعروفة، والتي قال حذيم الأسدي بعدها: لم أر والله خفرة قط أنطق منها، كأنها تنطق وتفرغ عن لسان

1 - الإرشاد.
2 - زينب الكبرى: 75.
3 - الإرشاد: 224.
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست