الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٥٣
الأصوات بالبكاء والنحيب وقالوا: حسبك يا ابنة الطيبين، فقد أحرقت قلوبنا، وأنضجت نحورنا، وأضرمت أجوافنا. فسكتت (1).
وأما العقيلة زينب عليها السلام، فقد أصغت بعقلها وقلبها إلى موعظة أخيها الحسين سلام الله عليه ليلة عاشوراء، حيث قال لها: يا أختاه! اتقي الله، وتعزي بعزاء الله، واعلمي أن أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، وأن كل شئ هالك إلا وجهه تعالى، الذي خلق الخلق بقدرته، ويبعث الخلق ويعودون، وهو فرد وحده. جدي خير مني، وأبي خير مني، وأمي خير مني، وأخي خير مني، ولي ولكل مسلم برسول الله صلى الله عليه وآله أسوة.
يا أختاه! أقسمت عليك فأبري قسمي، لا تشقي علي جيبا، ولا تخمشي علي وجها، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت (2).
وكانت زينب سلام الله عليها عند وصية أخيها، حيث لم ير الأعداء منها وهنا، بل وجدوها تلك الحرة الأبية، واللبوة الطالبية، والمعجزة المحمدية، والذخيرة الحيدرية، والوديعة الفاطمية.. تحدت بمواقفها أهل النفاق والفتن، وأرهبت الطغاة في صلابتها، وأدهشت العقول برباطة جأشها، ومثلت أباها عليا بشجاعتها، وأشبهت أمها الزهراء في عظمتها وبلاغتها.. فقد شاهدت إخوانها، وبني إخوانها، وبني عمومتها، وشيعة أخيها على الرمال مجزرين، وشاهدت إحراق خيامها بعد قتل أخيها الحسين عليه السلام، ومرت على مصارع الشهداء، وعاشت محنة الأسر، والسفر المرير إلى الكوفة ثم الشام،

1 - نفسه: 65.
2 - زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه السلام / للشيخ جعفر النقدي: 121.
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»
الفهرست