الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٥١
وكان الإمام الحسين عليه السلام قد شد على قلوب أهل بيته بالصبر والرضى بقضاء الله، فلما رأى النساء يبكين عليه ليلة عاشوراء، وسمع أخته أم كلثوم تنادي: " وا ضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله! " عزاها عليه السلام وقال لها:
يا أختاه! تعزي بعزاء الله، فإن سكان السماوات يفنون، وأهل الأرض كلهم يموتون، وجميع البرية يهلكون.
ثم قال: يا أختاه! يا أم كلثوم، وأنت يا زينب، وأنت يا فاطمة (ابنته) وأنت يا رباب (زوجته) انظرن إذا أنا قتلت.. فلا تشققن علي جيبا، ولا تخمشن علي وجها، ولا تقلن هجرا (1).
وكان درسا في الصبر، وفي العزة والإباء أمام أعداء الله. وفي الوداع الثاني لعياله أمرهم بالصبر، وقال: استعدوا للبلاء، واعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم، وسينجيكم من شر الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير، ويعذب عدوكم بأنواع العذاب، ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة. فلا تشكوا، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم (2).
وقد أخذت هذه الموعظة طريقها إلى قلوب العيال، فكان منهم الثبات والصبر والإباء، والعزة والشموخ.. فهذه " سكينة " ابنته (لم يتضعضع صبرها، ولا وهي تسليمها للقضاء الجاري، ولم يتحدث المؤرخون عما ينافي ثباتها على الخطوب في الكوفة والشام مع ما لاقته من شماتة ابن مرجانة وابن ميسون ونكته بالعود رأس الحسين...) (3).
وهذه أم كلثوم تقف في الكوفة فتخطبهم قائلة: " يا أهل الكوفة! سوأة

١ - اللهوف: ٣٤.
2 - جلاء العيون / للشيخ المجلسي.
3 - السيدة سكينة / للسيد عبد الرزاق المقرم: 64.
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»
الفهرست