الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٢٦٧
في المفاداة دونه، أوقفهم على غامض القضاء بإنه مقتول غدا وكلهم مقتولون (1)، فقالوا بأجمعهم: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك، وشرفنا بالقتل معك، أو لا نرضى أن نكون معك في درجتك يا ابن رسول الله؟! فدعا لهم بالخير (2)، وكشف عن أبصارهم فرأوا ما حباهم الله من نعيم الجنان، وعرفهم منازلهم فيها (3).
ولما فرغ عليه السلام من الصلاة يوم عاشوراء قال لأصحابه:
يا كرام! هذه الجنة قد فتحت أبوابها، واتصلت أنهارها، وأينعت ثمارها، وهذا رسول الله والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله يتوقعون قدومكم، ويتباشرون بكم، فحاموا عن دين الله ودين نبيه، وذبوا عن حرم الرسول.
فقالوا: نفوسنا لنفسك الفداء، ولدماؤنا لدمك الوقاء، فوالله لا يصل إليك وإلى حرمك سوء وفينا عرق يضرب (4).
إنها الرحمة الحسينية تجعل المر شهدا..
وقف جون مولى أبي ذر الغفاري أمام الحسين عليه السلام يستأذنه، فقال عليه السلام: يا جون! إنما تبعتنا طلبا للعافية، فأنت في إذن مني. فوقع جون على قدميه يقبلهما ويقول: أنا في الرخاء ألحس قصاعكم، وفي الشدة أخذلكم! إن ريحي لنتن، وحسبي للئيم، ولوني لأسود، فتنفس علي بالجنة ليطيب ريحي، ويشرف حسبي، ويبيض لوني.. لا والله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم. فأذن له الحسين (5)، فقتل خمسا وعشرين وقتل، فوقف عليه السلام وقال: اللهم بيض وجهه، وطيب ريحه، واحشره مع محمد

١ - نفس المهموم: ١٢٢. وأسرار الشهادة.
٢ - نفس المهموم: ١٢٢.
٣ - الخرايج والجرايح، للراوندي.
٤ - أسرار الشهادة: ١٧٥.
٥ - مثير الأحزان، لابن نما: ٣٣. واللهوف: ٦١.
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»
الفهرست