يودعهم ثانيا ويأمرهم بالصبر قائلا لهم: استعدوا للبلاء، واعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم، وسينجيكم من شر الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير، ويعذب عدوكم بأنواع العذاب، ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة، فلا تشكوا، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم (1).
كلمات.. نزلت منزل الرحمة على النفوس الحزينة، ومنزل الطمأنينة على القلوب الخائفة الوجلة، فسكن بها روعتهن، وبل غلتهن.
ثم التفت عليه السلام إلى ابنته " سكينة " فرآها منحازة عن النساء باكية معولة، فوقف عليها مصبرا ومسليا.
يقول الشيخ التستري: الملاطفة من الآباء مع الأولاد مستحب خاصة، ولتفريح البنات خصوصية في الفضيلة. وقد تحقق ذلك من الحسين عليه السلام بأحسن وجوهه، وأراد ذلك بتسلية ابنته الصغيرة سكينة، أراد أن يفرحها بتقبيل وجهها ومسح رأسها، وتسليتها، فما تزداد بهذه إلا غصة وحزنا (2). وقيل: فضمها الحسين عليه السلام إلى صدره الشريف، وقبلها ومسح دموعها بكمه، وقال:
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي * منك البكاء إذا الحمام دهاني لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة * ما دام مني الروح في جثماني فإذا قتلت فأنت أولى بالذي * تأتينه.. يا خيرة النسوان! (3) ولقد ترك الحسين عليه السلام آثار رحمته الأبوية عليها، فعاشت بعده أكثر من ستين عاما لا تنساه، ولا تنسى دروس الصبر والوفاء.