وبيده الكريمة يقدم الماء في البيداء المقفرة إلى العطاشى من أعدائه الذين سيشهرون سيوفهم غدا عليه، بل سيبضعونه بها، وهو يعلم ذلك، لكن الرحمة تمنعه من الانتقام منهم وإجراء القصاص قبل الجناية. وهذا هو الذي أيقظ في الحر بن يزيد الرياحي حالة الندم والتوبة، متأثرا برحمة الإمام الحسين عليه السلام، وهذا هو الذي جعل الأجيال تحب الإمام الحسين عليه السلام وتجله وتقدسه، لأنه رجل المكارم، ورجل الأخلاق الفاضلة التي تترفع ولا تمد إلى الناس إلا يد رحمة.. حتى تشمل الخيول، خيول الأعداء.
قال الشيخ التستري: (باب سقي الماء) - والظاهر أنه مستحب حتى للكفار في حال العطش، وللبهائم، وواجب في بعض الأوقات، وأجره أول أجر يعطى يوم القيامة. وقد تحقق من الإمام الحسين عليه السلام أنواع السقي كلها، حتى السقي للمخالفين له، والسقي لدوابهم بنفسه النفيسة، وسقي ذي الجناح فقال له: اشرب وأنا أشرب...
(باب الإطعام) وكفى في فضله أن الخلاص من العقبة قد حمل عليه في الآية الشريفة * (فلا اقتحم العقبة. وما أدراك ما العقبة. فك رقبة. أو إطعام في يوم ذي مسغبة. يتيما ذا مقربة. أو مسكينا ذا متربة) * (1) قال الإمام السجاد عليه السلام: قتل ابن رسول الله جائعا، قتل ابن رسول الله عطشانا (2).
أجل.. فذلك الرجل العطوف الشفيق الرحيم يقتل، ويقتل عطشانا بعد أن سقى الناس حتى أعداءه، وحتى البهائم التي ركبوها للكر عليه وقتله. وذلك الرجل الطيب الذي طالما أشبع الجياع، قتل، وقتل ساغبا جائعا، وكانت يده السخية تحمل الطعام والماء كل ليلة إلى الفقراء والمساكين والأيتام والأسر