الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٢٦٣
وكذلك ترك على أخته زينب عليها السلام آثارا من الصبر الجميل حين عزاها وأوصاها في كربلاء، قائلا لها: يا أختاه! تعزي بعزاء الله، فإن سكان السماوات يفنون، وأهل الأرض كلهم يموتون، وجميع البرية يهلكون (1).
فزرع في قلبها الصبر والثبات ورباطة الجأش، فنهضت بأعباء مسؤوليات تنوء من حملها الجبال الرواسي، وتحملت مصائب وآلاما تنهد لهولها عزائم الرجال الأشداء.. فهي التي شهدت واقعة الطف بكل مآسيها وفجائعها ومصائبها ونكباتها، وعانت الجوع والعطش، وكلفت بجمع الأرامل واليتامى، وانتشال الأطفال من تحت حوافر الخيل، وستر العيال في خيمة، والأسر إلى الكوفة والشام مربطين بالحبال هدية إلى الطاغية عبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية، والسفر إلى المدينة بعد وقوف حزين في كربلاء يوم أربعينية أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، تبكي عليه وعلى إخوتها وولديها وأولاد إخوتها وبني عمومتها والخلص من الأصحاب الشهداء الأبرار.
وفي المدينة أبلت البلاء الحسن في عرض وقائع فاجعة الطف العظمى، فألهبت العواطف، وألبت القلوب، وخلقت ثورة في المدينة بانت - فيما بعد - آثارها، فترجمت إلى ثورات انفجرت ضد الحكم الأموي حتى زلزلته ودمرته.
وهكذا تستحق أن توصف بما وصفتها الزيارة الزينبية:
سلام على من ناصرت الحسين في جهاده، ولم تضعف عزيمتها بعد استشهاده. سلام على قلب زينب الصبور، ولسانها الشكور. سلام على من تظافرت عليها المصائب والكروب، وذاقت من النوائب ما تذوب منها

1 - زينب الكبرى (ع): 119.
(٢٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 ... » »»
الفهرست