ولا عتب (1).
ولم يجمع الإمام الحسين عليه السلام ذلك فحسب، إنما أضاف إليه الجائزة السنية، ورحمة الحرية.
وفي كل مواقفه سلام الله عليه كان يقدم عفوه على غضبه، ويعرض العفو على مبغضيه وأعدائه علهم يهتدون، وإلى الحق يؤوبون، وعن الباطل والضلال يرجعون، ومن فرصة السلام يستفيدون.. وهذا من الرحمة الحسينية التي استفاد منها الحر بن يزيد الرياحي (رضوان الله عليه).
إذ لما سمع كلام الحسين عليه السلام، ودعوته الحقة أقبل على عمر بن سعد وقال له: أمقاتل أنت هذا الرجل؟ قال عمر: إي والله قتالا أيسره أن تسقط فيه الرؤوس، وتطيح الأيدي، فقال الحر: ما لكم في ما عرضه عليكم من الخصال؟ فقال عمر: لو كان الأمر إلي لقبلت ولكن أميرك أبى ذلك.
فتركه الحر ووقف مع الناس، وكان إلى جنبه قرة بن قيس فقال لقرة: هل سقيت فرسك اليوم؟ قال: لا، قال: فهل تريد أن تسقيه؟ فظن قرة من ذلك أنه يريد الاعتزال، ويكره أن يشاهده، فتركه، فأخذ الحر يدنو من الحسين قليلا، فقال له المهاجر بن أوس: أتريد أن تحمل؟ فسكت الحر وأخذته الرعدة، فارتاب المهاجر من هذا الحال، وقال له: لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فما هذا الذي أراه منك؟! فقال الحر: إني أخير نفسي بين الجنة والنار، والله لا أختار على الجنة شيئا ولو حرقت. ثم ضرب جواده نحو الحسين (2)، منكسا رمحه، قالبا ترسه، وقد طأطأ برأسه حياء من آل الرسول بما أتى إليهم، وجعجع بهم في هذا المكان على غير ماء ولا كلأ،