الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٢١٣
العار والقتل، يختار القتل، وحينما يدور المدار بين الدنيا الآثمة ودخول المعركة القاتلة فإنه يخطو بشوق إلى القتال والموت المحتم.. حيث يرى فيه حياته، ويرى في الحياة الخانعة الموت الحقيقي. وهكذا كان رجل الإباء، سيد الشهداء، الحسين بن علي صلوات الله عليه، حتى عبر عن ذلك ابن نباتة فقال:
الحسين.. الذي رأى القتل في العز حياة والعيش في الذل قتلا (1).
لقد كان الإباء ينطلق من لسان الإمام الحسين عليه السلام قولا صادقا، حتى تمثل في كربلاء بأجلى صورة مواقف شامخة، فوقف على أرض الطف وقال في شجاعة الرجل الأبي:
ألا إن الدعي ابن الدعي، قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، من أن نؤثر طاعة اللئام، على مصارع الكرام (2). وقد ترجم الإمام الحسين سلام الله عليه كل كلمة من هذه الكلمات إلى جميع لغات العزة والكرامة، والإباء والشهامة، والرفعة والشرف المؤبد.. فكان أن وقف على أرض الطف وحيدا بعد مقتل أخيه العباس عليه السلام، وأمامه ثلاثون ألف مقاتل، فلم يروه يهتز هيبة منهم، ولم يجدوا فيه رغبة في استسلام، بل وقفوا يتأملون فيه ماذا هو صانع بنفسه، فإذا الحسين عليه السلام يطلب ثوبا لا يرغب فيه أحد، يضعه تحت ثيابه لئلا يجرد منه.. فإنه مقتول مسلوب، فأتوه بتبان فلم يرغب فيه لأنه من لباس الذلة (3)، وأخذ ثوبا وخرقه وجعله تحت ثيابه (4)، ودعا بسراويل حبرة ففزرها ولبسها لئلا

١ - المناقب ٤: ٦٨.
٢ - تاريخ دمشق، لابن عساكر: ٢١٥.
٣ - المناقب 2: 222.
4 - مجمع الزوائد، للهيثمي 9: 193.
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»
الفهرست