الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٢١٤
يسلبها (1). ثم تقدم نحو القوم مصلتا سيفا، ودعا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كل من برز إليه، حتى قتل جمعا كثيرا (2).
قال الأربلي (3): وشجاعة الحسين عليه السلام يضرب بها المثل وصبره في مأقط الحراب (أي مضيقه) أعجز الأواخر والأول، وثباته إذا دعيت نزال ثبات الجبل، وإقدامه إذا ضاق المجال إقدام الأجل، ومقامه في مقابلة هؤلاء الفجرة عادل مقام جده صلى الله عليه وآله ببدر فاعتدل، وصبره على كثرة أعدائه وقلة أنصاره صبر أبيه عليه السلام في صفين والجمل، ومشرب العداوة واحد فبفعل الأول فعل الآخر ما فعل، فكم من فارس مدل ببأسه جدله عليه السلام فانجدل، وكم من بطل طل دمه فبطل، وكم حكم سيفه فحكم في الهوادي والقلل، فما لاقى شجاعا إلا وكان لأمه الهبل.
ولما اشتد به العطش، وأعياه الكر والفر على جموع المبارزين، هجموا عليه غدرا بالحجارة، ورميا من بعيد بالسهم، جبنا منهم أن يبارزه الرجل بعد الرجل.
ثم أصابته صدمات فضعف عن الجلوس، وجعل يقوم مرة ويسقط أخرى.. كل ذلك لئلا يروه مطروحا فيشمتون (4).
فجمع سلام الله عليه إلى الشجاعة إباء وعزة، وإلى رفض الباطل محاربة له، وإلى إنكار المنكر ترفعا عنه، فكان كريم النفس.. مضى هكذا، وختم حياته أشرف خاتمة ولم ينل منه العدو موقف ضعف أو ذلة، فأصبح النبراس الوهاج في سماء التضحية، والشجاعة، والفداء، والإباء.

١ - تاريخ الطبري ٦: ٢٥٩.
٢ - مقتل العوالم: ٩٧. ومثير الأحزان، لابن نما: 37. ومقتل الحسين، للخوارزمي 2: 33.
3 - كشف الغمة: 180.
4 - الخصائص الحسينية: 38.
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»
الفهرست