الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٢٠٩
ذلك الذي تفاضلت فيه أكثر وأشد إقداما (1).
فقد يراد من المؤمن أن يرضى بالضيم، ويقعد على بساط الذل، وأن يسكت مع الإهانة والهوان، ويحجم عن الدفاع عن دينه وعرضه، ويوسم بالذكر السيئ فلا يعرب عن رفض، ولا يبدو منه رد أو نخوة..
هكذا يراد منه أحيانا، لكن الإباء يمنعه أن يرضى، والحمية تنكر عليه أن يسكت، فينتفض شجاعا لا يقبل بشئ دون عزته.. وهنا تكون شجاعته على قدر ما رزق من شرف الإباء.
جاء في غرر الحكم لأمير المؤمنين سلام الله عليه أنه قال:
شجاعة الرجل على قدر همته، وغيرته على قدر حميته. وفي حديث آخر، قال عليه السلام: على قدر الحمية تكون الشجاعة.
والشجاعة الحسينية أثبتت أنها تحمل الإباء بأشرف منازله، والحمية بأعز حالاتها، والكرامة بأعلى درجاتها، فهي أسمى من المداهنات، وأرفع من التنازلات، وأبعد ما تكون عن الإغراءات.
وقد كانت للإمام الحسين صلوات الله عليه مواقف وعبارات، أفصحت عن إبائه، فيئست منه قلوب الطامعين، وحقدت عليه نفوس المخاصمين. وقد سمع سلام الله عليه ورئي أنه إلى الموت أقرب منه إلى بيعة الظالمين، وأنه في طلب الشهادة لا في طلب الدنيا.. وكانت كلماته عليه السلام كمواقفه ليس فيها أي مبالغة، أثبت ذلك في كل واقعة..
فالإمام الحسين عليه السلام هو الذي رفض هدايا معاوية وردها عليه، وهو الذي قال: الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما

(٢٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 ... » »»
الفهرست