الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٢١١
ونكبات، فيتألم لذلك قلبه الرؤوف، ولكن كل ذلك لا بد منه إذا كان الدين في خطر، والحياة في ذل.
التفت إلى أصحابه في مسيرة الشهادة، واستوقف الضمائر والقلوب فخاطبها قائلا: إن الدنيا تغيرت، وتنكرت، وأدبر معروفها واستمرت، ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل.. ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا برما... (1).
وهذا منطق الشجاع الأبي، الذي لا يخاف من الموت، بل يرغب فيه حيث سعادته لأن قباله الحياة مع الظالمين، وهي برم - أي سأم وضجر لأبي الضيم وعزيز النفس -، والموت هنا سعادة يرغب فيها الشريف الشهم، فضلا عن عدم خوفه منه.
وفي الطريق إلى كربلاء.. قال الحر بن يزيد للإمام الحسين عليه السلام:
إني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، فقال الحسين عليه السلام: أفبالموت تخوفني؟!
وهل يغدو بكم الخطب إن تقتلوني، وسأقول ما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله، فخوفه ابن عمه وقال: أين تذهب فإنك مقتول؟ فقال:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى * إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما وواسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق مثبورا، وخالف مجرما

١ - حلية الأولياء ٢: ٢٣٩، وتحف العقول: ١٧٦.
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»
الفهرست