الأخلاق الحسينية - جعفر البياتي - الصفحة ٢٠٤
فكتب إلى الوليد يخبره بموت معاوية، وكتب إليه في صحيفة كأنها أذن فأرة:
أما بعد، فخذ حسينا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا، والسلام. فأشار عليه مروان أن يبعث إليهم في تلك الساعة يدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة، فإن فعلوا قبل منهم وكف عنهم، وإن أبوا قدمهم فضرب أعناقهم، فإنهم إن علموا بموت معاوية وثب كل منهم في جانب، وأظهر الخلاف والمنابذة، ودعا إلى نفسه.. فأرسل عبد الله بن عمرو بن عثمان إلى الحسين وابن الزبير يدعوهما، فوجدهما في المسجد فدعاهما في ساعة لم يكن الوليد يجلس فيه للناس، فقالا: انصرف، الآن نأتيه.
فقال حسين لابن الزبير: أرى طاغيتهم قد هلك، فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشو في الناس الخبر، فقال: وأنا ما أظن غيره. فقام الحسين وجمع إليه مواليه وأهل بيته وسار إلى باب الوليد وقال لهم: إني داخل، فإن دعوتكم أو سمعتم صوته قد علا فاقتحموا علي، وإلا فلا تبرحوا حتى أخرج إليكم.
فدخل على الوليد ومروان جالس عنده، فأقرأه الوليد، الكتاب ودعاه إلى البيعة، فقال الحسين: إن مثلي لا يعطي بيعة سرا، ولا أراك تجتزئ بها (1) مني سرا دون أن تظهرها على رؤوس الناس علانية، قال: أجل، قال: فإن خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرا واحدا، فقال له الوليد - وكان يحب العافية (2) -: انصرف على اسم الله، فقال له مروان: والله لئن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب

1 - أي: تجزي عندك.
2 - أي: يحب الابتعاد عن الاصطدام.
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»
الفهرست