اختار الفخر الرازي في تفسيره: 30 / 122، أن العذاب المذكور في مطلع السورة هو العذاب الأخروي، وأن الدنيوي مخصوص بالنضر بن الحارث، قال: (لأن العذاب نازل للكافرين في الآخرة لا يدفعه عنهم أحد، وقد وقع بالنضر لأنه قتل يوم بدر)، ثم وصف هذا الرأي بأنه سديد.. وهو بذلك يتابع جمهور المفسرين السنيين، الذين قالوا بانتهاء العذاب الدنيوي الموعود، مع أن السورة لا تشير إلى انتهاء أي نوع من العذاب الموعود!!
على أن حرص المفسرين القرشيين على إبعاد العذاب عن قريش، أقل تشددا من حرص المحدثين الرسميين، فهؤلاء لا يقبلون (العذاب الواقع) لأحد من قريش، حتى للنضر بن الحارث وحتى لأبي جهل! فهم الذين اخترعوا تهمة النبي صلى الله عليه وآله بأنه دعا على قومه ، فوبخه الله تعالى!
فقد روى البخاري في صحيحه: 5 / 199: (عن أنس بن مالك قال: قال أبو جهل: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، فنزلت:
وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون). ورواه البخاري في عدة أماكن أخرى، ورواه مسلم في: 8 / 129!!
وإذا أردت أن تقرأ ما لا تكاد تصدقه عيناك، فاقرأ ما رووه في تفسير قوله تعالى (ليس لك من الأمر شيء) فهي آية تنفي عن النبي صلى الله عليه وآله كل أنواع الألوهية والشراكة لله تعالى، ولكنها في نفس الوقت لا تسلب عنه شيئا من مقامه النبوي وخلقه العظيم وحكمته ، وحرصه على هداية قومه.. لكن أنظر ماذا عمل المحدثون القرشيون في تفسيرها، وكيف صوروا النبي صلى الله عليه وآله بأنه ضيق الصدر، مبغض لقريش، يريد الاعتداء عليها وظلمها..!! فينزل الوحي مدافعا عن هذه القبائل المقدسة الثلاث وعشرين، ورد عدوانية نبيه عنها!!
ولا يتسع المجال للإفاضة في هذا الموضوع، ولكن القارئ السني يجد نفسه متحيرا بين ولاء المفسرين لقريش، كالمفسر مجاهد الذي يسمح بكون قتل بعض فراعنتها كالنضر عذابا لها، وبين ولاء المحدثين لها كالبخاري الذي يقول إن قتل النضر وأبي جهل ليس هو العذاب الإلهي ، فهؤلاء قوم برزوا إلى مضاجعهم، فقد رفع الله عذابه عن قريش، ووبخ رسوله، لأنه دعا عليها!!