آيات الغدير - مركز المصطفى (ص) - الصفحة ٢٧٧
على العذاب الأخروي وأوصافه، لأنه الأساس والأكثر أهمية واستمرارا، وصفته الجزائية أكثر وضوحا. فكأن السورة تقول:
أيها المستهزؤون بالعذاب الذي ينذركم به رسولنا.. إن كل ما أنذركم به من عذاب دنيوي أو أخروي سوف يقع، ولا دافع له عن الكفار.. فآمنوا بالله ليدفعه عنكم بقوانينه في دفع عذابه عن المؤمنين.
فقوله تعالى (للكافرين ليس له دافع) ينفي إمكان دفعه عن الكافرين، فهو ثابت لمن يستحقه منهم، وهو أيضا ثابت لمن يستحقه من الذين قالوا آمنا.. والدافع له التوبة والاستغفار مثلا.
كما أن كلمة (الكافرين) في الآية لا يبعد أن تكون بالمعنى اللغوي، فتشمل الكافرين ببعض آيات الله تعالى، أو بنعمه، ولو كانوا مسلمين.
وعندما نشك في أن كلمة استعملت بمعناها اللغوي أو الاصطلاحي، فلا بد أن نرجح المعنى اللغوي، لأنه الأصل، والاصطلاحي يحتاج إلى قرينة.
وقد وقع المفسرون السنيون في تهافت في تفسير السورة، لأنهم جعلوا (العذاب الواقع) عذابا أخرويا أو لغير المسلمين، وفي نفس الوقت فسروه بعذاب النضر بن الحارث العبدري بقتله يوم بدر، فصار بذلك شاملا للعذاب الدنيوي! وما أكثر تهافتهم في التفسير!
ويلاحظ الباحث في التفاسير السنية أنه يوجد منهج فيها، يحاول أصحابه دائما أن يفسروا آيات العذاب الواردة في القرآن الكريم - خاصة التي نزلت في قريش - بالعذاب الأخروي، أو يرموها على أهل الكتاب، ويبعدوها حتى عن المنافقين! وقد أوجب عليهم حرضهم هذا على تبرئة قريش، أن يتهموا النبي صلى الله عليه وآله بأنه دعا ربه بالعذاب على قومه، فلم يستجب له! بل وبخه الله تعالى بقوله: ليس لك من الأمر شيء...!! إلخ.
وهكذا ركزت الدولة القرشية على مقولة اختيار الله لقريش، وعدم سماحه بعذابها، وجعلتها أحاديث نبوية، ولو كان فيها تخطئة وإهانة للنبي صلى الله عليه وآله.. وأدخلتها في مصادر التفسير والحديث!!
أما عندما يضطرون إلى الاعتراف بوقوع العذاب الدنيوي لأحد فراعنة قريش، فيقولون إنه خاص بحالة معينة، مثل حالة النضر بن الحارث، وقد وقعت في بدر وانتهى الأمر!
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»