شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٢٥ - الصفحة ٣٦٠
وجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل - قطيفة - وقربة ووسادة أدم - جلد - حشوها اذخر - حشيشة رطبة طيبة الرائحة - وتورة من أدم - إناء يغسل فيه - وسقاء ومنخل ومنشفة ورحاءين وجرتين وقدح.
وبعد أربعة أشهر من العقد كان الزفاف في رمضان من السنة الثانية من الهجرة. وكانت اليهود يأخذون الرجل عن امرأته - يحولون بين المرء وزوجته عند اللقاء - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: لا تقربن أهلك حتى آتيك.
وجاء النبي عليه الصلاة والسلام فضرب الباب، فقامت أم أيمن ففتحت له الباب، فتساءل صلى الله عليه وسلم: يا أم أيمن ادعي لي أخي. فقالت أم أيمن في عجب: أخوك هو وتنكحه ابنتك؟
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار وآخى بينه وبين علي بن أبي طالب.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: إن ذلك يكون يا أم أيمن.
فجاءت أم أيمن بفاطمة حتى قعدت في جانب البيت وعلي في جانب آخر، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لابنته فاطمة: ائتني بماء. فقامت تعثر في ثوبها من الحياء، فأتته بقعب فيه ماء، فأخذه النبي عليه الصلاة والسلام ثم قال لفاطمة:
تقدمي. فتقدمت الزهراء يفوح منها عطر طيب - فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن رباح بأن يشتري بثلث الصداق طيبا - فنضح على رأسها ومسح صدرها ثم قال: اللهم إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: ائتوني بماء. فأدرك ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام يريده، فقام وملأ القعب وأتاه به، فأخذه وصنع به كما صنع بفاطمة ودعا له بما دعا لها به، ثم قال: اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في شملهما. وتلا المعوذتين (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس). ثم رأى سوادا من وراء الباب فتساءل: من هذا؟ قالت أسماء بن عميس - زوجةجعفر بن أبي طالب: أسماء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسماء بنت عميس؟ قالت: نعم يا رسول الله. فعاد صلى الله عليه وسلم يتساءل: جئت كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت أسماء بنت عميس:
نعم إن الفتاة ليلة يبنى بها لا بد لها من امرأة تكون قريبة منها إن عرضت لها حاجة أفضت ذلك إليها.
تقول أسماء بنت عميس: فدعا لي بدعاء إنه لأوثق عملي عندي.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: ادخل بأهلك باسم الله والبركة.
وكان فراش فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلموعلي بن أبي طالب إهاب كبش - فروة خروف - ومكث النبي عليه الصلاة والسلام ثلاثة أيام لا يدخل على فاطمة، وفي اليوم الرابع دخل عليهما في غداة باردة وهما في قطيفة لهما إذا جعلاها بالطول انكشف ظهراهما وإذا جعلاها بالعرض انكشف رؤوسهما، فلما رأياه صلى الله عليه وسلم هما بالنهوض فقال لهما: كما أنتما.
وجلس النبي عليه الصلاة والسلام عند رأسيهما، ثم أدخل قدميه وساقيه بينهما فأخذ علي إحداهما فوضعها على صدره وبطنه ليدفئها، وأخذت فاطمة الأخرى فوضعتها كذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي إنه لا بد للعرس من وليمة.
فلما علم سعد بن معاذ سيد بني عبد الأشهل ذلك قال: عندي كبش. وجمع لعلي من الأنصار أصوعا من ذرة، فكانت وليمة في ذلك الزمان أفضل وليمة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة ما شاء الله أن يقول من الحكمة ثم قال: أما إني لم آلك أن أنكحتك أحب أهلي إلي.
وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته بخدمة البيت، وقضى على ربيبه بما كان خارج البيت، وأوصى النبي عليه الصلاة والسلام ابنته خيرا بعلي، ثم قال: زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة، وإنه لأول أصحابي اسلاما وأكثرهم علما وأعظمهم حلما.
يقول سليمان الفارسي: بعد أن تزوج علي ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النبي عليه الصلاة والسلام: أول هذه الأمة ورودة علي الحوض أولها اسلاما علي بن أبي طالب.
كان ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب منزلا مستأجرا، فجاء حارثة بن النعمان النبي عليه الصلاة والسلام فقال له: يا رسول الله بلغني أنك تحول فاطمة إليك وهذه منازلي وهي أسقف بيوت بني النجار بك، وإنما أنا ومالي لله ولرسوله، والله يا نبي الله المال الذي تأخذ مني أحب إلي من الذي تدع. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: صدقت بارك الله عليك.
ولم تكن حياة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت علي بن أبي طالب مترفة ولا ناعمة، فذكرت الزهراء لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقر علي، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: إنه سيد في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين، وإنه أكثر الصحابة علما وأفضلهم حلما وأولهم اسلاما. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته وزوجها: لا يخافن أحد إلا ذنبه، ولا يرجون إلا ربه ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلم، ولا من يعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم. ما أبردها على الكبد إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول: الله أعلم.
وكان علي بن أبي طالب فقيرا زاهدا، فلم يستطع أن يستأجر لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما لتعينها أو تقوم عنها بالعمل الشاق، فكان علي يساعد الزهراء في بعض أعمال البيت.
وذات يوم رجع النبي عليه الصلاة والسلام من إحدى غزواته، فقال علي لفاطمة: والله لقد سنوت - شقوت - حتى قد اشتكيت صدري، وقد جاء الله أباك بسبي - بصبي - فاذهبي فاستخدميه.
فقالت الزهراء: والله قد طحنت حتى مجلت - تقطعت من العمل وظهرت فيها فقاعات ملتهبة - يداي.
فأتت فاطمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها سألها: ما جاء بك أي بنية؟ فقالت الزهراء في استحياء: جئت لأسلم عليك.
واستحيت أن تسأله صلى الله عليه وسلم، ورجعت إلى بيتها، فقال علي بن أبي طالب: ما فعلت؟ قالت فاطمة: استحييت أن أسأله.
فانطلقا معا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله من الله عليك بسبي وسعة فأخدمنا - امنحنا خادما يعيننا