خرج عليها، فلما نظر إلى سكوت علي قال: يا أبا الحسن مالك أو لا تقول نعم فآجي معك، فقال له: حبا وكرامة بلى اذهب بنا، وكان الله تعالى قد أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن تعشى عندهم.
فقال علي بلى، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيده فانطلقا حتى دخلا على فاطمة عليها السلام في مصلى لها، وقد صلت وخلفها جفنة تفور دخانا، فلما سمعت كلام النبي صلى الله عليه وسلم في رحلها خرجت من المصلى فسلمت عليه وكانت أعز الناس عليه، فرد السلام ومسح بيده على رأسها وقال: كيف أمسيت رحمك الله؟ عشينا غفر الله لك وقد فعل، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يديه. فلما نظر علي رضي الله عنه إليه وشم ريحه رمى فاطمة عليها السلام ببصره رميا شحيحا، فقالت: له: ما أشح نظرك وأشده، سبحان الله هل أذنبت، فما بيني وبينك ذنبا استوجبت به السخط. قال: وأي ذنب أعظم من ذنب أصبتيه اليوم، أليس عهدي بك اليوم وأنت تحلفين بالله مجتهدة ما طعمت طعاما من يومين. فنظرت إلى السماء فقالت: إلهي يعلم في سمائه ويعلم في أرضه إني لم أقل إلا حقا. قال:
فأنى لك هذا الذي لم أر مثل رائحته، ولم آكل أطيب منه، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم كفه المباركة بين كتفي علي رضي الله عنه، ثم هزها وقال: يا علي هذا ثواب لدينارك، هذا جزاء دينارك، هذا من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. ثم استعبر النبي صلى الله عليه وسلم باكيا فقال: الحمد لله الذي هو أبا لكما أن يخرجكما من الدنيا حتى يجريك في المجرى الذي أجرى زكريا ويجريك فيه يا فاطمة بالمثال الذي جرت به مريم (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب) (سورة آل عمران: 37).