أشرف قريش، فرفعوا رؤسهم ثم نكسوا فأخذ قبضة من تراب فرمى بها نحوهم ثم قال: شاهت الوجوه، فما أصاب رجل منهم إلا قتل ببدر.
ولما أمر الله عز وجل نبيه بالجهر بدعوته وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق جبل الصفا ونادى قومه، فما أقبلوا قال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني زهرة أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، يا صفية بنت عبد المطلب - عمته 0 أنقذي نفسك من النار، فإني والله لا أملك لكم من الله شيئا، لا أملك من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيبا، إلا أن تقولوا (لا إله إلا الله)، لا تبقوا على كفركم اتكالا على قرابتكم مني.
وتخصيصه صلى الله عليه وسلم ابنته الصغرى وعمته صفية من بين عماته حكمة لا تخفى.
ودخلت الزهراء وأمها وأخواتها وأبوها شعب أبي طالب لما فرضت قريش مقاطعة وحصارا ثلاث سنوات حتى أجهد المسلمون، ولما فرج الله الكربة وخرج بنو هاشم وبنو عبد المطلب من الشعب مات أبو طالب الذي كان يمنع وينصر ابن أخيه صلى الله عليه وسلم، ثم لحقت به سيدة نساء قريش خديجة التي كانت وزير صدق لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الابتلاء، فملأ الحزن قلب فاطمة وقلب أبيها.
وفقد النبي عليه الصلاة والسلام الرعاية والعطف والمنعة والتأييد، فلما غادر داره اعترضه سفيه من قريش ونثر على رأسه التراب، فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه ابنته فاطمة بقدح كبير من ماء فغسلت وجهه ويديه وهي تبكي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: لا تبكي.