ليست هي اشباع حاجات هذا الفرد أو ذاك، وانما هي ايجاد التوازن العادل بين حاجات الافراد كافة وتحديد علاقاتهم ضمن الإطار الذي يتيح لهم اشباع تلك الحاجات. ومن الواضح ان التجربة العلمية على هذا الفرد أو ذاك، لا تسمح باكتشاف ذلك الإطار، ونوعية تلك العلاقات، وطريقة ايجاد ذلك التوازن.. وانما يكتشف ذلك خلال ممارسة المجتمع كله لنظام اجتماعي، إذ تتكشف خلال التجربة الاجتماعية مواطن الضعف والقوة في النظام، وبالتالي ما يجب اتباعه لإيجاد التوازن العادل المطلوب، الكفيل بسعادة المجموع.
أضف إلى ذلك: ان بعض الحاجات أو المضاعفات لا يمكن اكتشافها في تجربة علمية واحدة، فخذ إليك مثلا هذا: الشخص الذي يعتاد الزنا، فقد لا تجد في كيانه _ بوصفه انسانا سعيدا _ ما ينقصه أو يكدره، ولكنك قد تجد المجتمع الذي عاش _ كما يعيش هذا الفرد _ مرحلة كبيرة من عمره، وأباح لنفسه الانسياق مع شهوات الجنس.. قد تجده بعد فترة من تجربته الاجتماعية منهارا، قد تصدع كيانه الروحي، وفقد شجاعته الأدبية، وارادته الحرة وجذوته الفكرية.
فليست كل النتائج، التي لا بد من معرفتها لدى وضع النظام الاجتماعي الأصلح.. يمكن اكتشافها بتجربة علمية، نمارسها في المختبرات الطبيعية والفسيولوجية، أو في المختبرات النفسية.. على هذا الفرد أو ذاك وانما يتوقف اكتشافها على تجارب اجتماعية طويلة الأمد.
وبعد هذا استخدام التجربة العلمية الطبيعية، في مجال التنظيم الاجتماعي، يمنى بنفس النزعة الذاتية التي تهدد استخدامنا للتجارب الاجتماعية. فما دام للفرد مصالحه ومنافعه الخاصة التي قد تتفق مع الحقيقة التي تقررها التجربة وقد تختلف.. يظل ممكنا دائما أن يتجه تفكيره اتجاها ذاتيا، ويفقد الموضوعية التي تتميز بها الأفكار العلمية، في سائر المجالات الأخرى.