إذا أردنا أن ننظم حياتنا الاجتماعية، بشكل يكفل تنمية المواهب العقلية والفكرية للأفراد، حرصنا على أن تتوفر في النظام تلك العوامل لجميع الأفراد؟!!
وقد يذهب بعض الناشئة في التصور إلى أكثر من هذا فيخيل له: أن هذا ليس ممكنا فحسب، بل هو ما قامت به أوروبا الحديثة في حضارتها الغربية، منذ رفضت الدين والأخلاق وجميع المقولات الفكرية والاجتماعية، التي مارستها الإنسانية في تجاربها الاجتماعية عبر التاريخ.. واتجهت في بناء حياتها على أساس العلم، فقفزت في مجراها التاريخي الحديث، وفتحت أبواب السماء، وملكت كنوز الأرض....
وقبل ان نجيب على السؤال الذي أثرناه: (السؤال عن مدى امكان إرساء الحياة الاجتماعية على أساس التجارب العلمية) يجب ان نناقش هذا التصور الأخير للحضارة الغربية، وهذا الاتجاه السطحي إلى الاعتقاد: بأن النظام الاجتماعي، الذي يمثل الوجه الأساسي لهذه الحضارة، نتيجة للعنصر العلمي فيها. فان الحقيقة هي:
ان النظام الاجتماعي الذي آمنت به أوروبا والمبادئ الاجتماعية التي نادت بها وطبقتها، لم تكن نتيجة لدراسة علمية تجريبية، بل كانت نظرية أكثر منها تجريبية ومبادئ فلسفية مجردة أكثر منها آراء علمية مجربة، ونتيجة لفهم عقلي وايمان بقيم عقلية محدودة، أكثر من كونها نتيجة لفهم استنتاجي وبحث تجريبي في حاجات الإنسان وخصائصه السيكولوجية والفسيولوجية والطبيعية، فان من يدرس النهضة الأوروبية الحديثة _ كما يسميها التاريخ الأوروبي _ بفهم يستطيع ان يدرك: ان اتجاهها العام في ميادين المادة، كان يختلف عن اتجاهها العام في الحقل الاجتماعي والمجال التنظيمي للحياة.
فهي في ميادين المادة كانت علمية، إذ أقامت أفكارها عن دنيا المادة على أساس الملاحظة والتجربة، فأفكارها عن تركيب الماء والهواء أو عن قانون الجذب أو فلق الذرة أفكار