المؤاخذات على الشيوعية:
والواقع ان النظام الشيوعي وان عالج جملة من أدواء الرأسمالية الحرة، بمحوه للملكية الفردية، غير أن هذا العلاج له مضاعفات طبيعية تجعل ثمن العلاج باهظا، وطريقة تنفيذه شاقة على النفس لا يمكن سلوكها إلا إذا فشلت سائر الطرق والأساليب. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هو علاج ناقص لا يضمن القضاء على الفساد الاجتماعي كله، لأنه لم يحالفه الصواب في تشخيص الداء، وتعيين النقطة التي انطلق منها الشر حتى اكتسح العالم في ظل الأنظمة الرأسمالية، فبقيت تلك النقطة محافظة على موضعها من الحياة الاجتماعية في المذهب الشيوعي. وبهذا لم تظفر الإنسانية بالحل الحاسم لمشكلتها الكبرى، ولم تحصل على الدواء الذي يطبب أدوائها ويستأصل أعراضها الخبيثة.
أما مضاعفات هذا العلاج فهي جسيمة جدا: فإن من شأنه القضاء على حريات الافراد، لإقامة الملكية الشيوعية مقام الملكيات الخاصة. وذلك لان هذا التحويل الاجتماعي الهائل على خلاف الطبيعة الإنسانية العامة، إلى حد الآن على الأقل كما يعترف بذلك زعماؤه _ باعتبار ان الإنسان المادي لا يزال يفكر تفكيرا ذاتيا، ويحسب مصالحه من منظاره الفردي المحدود. ووضع تصميم جديد للمجتمع يذوب فيه الافراد نهائيا، ويقضي على الدوافع الذاتية قضاء تاما.. موضع التنفيذ، يتطلب قوة حازمة تمسك زمام المجتمع بيد حديدية، وتحبس كل صوت يعلو فيه، وتخنق كل نفس يتردد في أوساطه، وتحتكر جميع وسائل الدعاية والنشر، وتضرب على الأمة نطاقا لا يجوز أن تتعداه بحال وتعاقب على التهمة والظنة، لئلا يفلت الزمام من يدها فجأة.
وهذا أمر طبيعي في كل نظام يراد فرضه على الأمة، قبل أن تنضج فيها عقلية ذلك النظام وتعم روحيته.