وتتلخص أهم تلك الفروق فيما يلي:
أولا: أن التجربة الطبيعية يمكن أن يباشرها ويمارسها فرد واحد، فيستوعب ها بالملاحظة والنظرة، ويدرس بصورة مباشرة كل ما ينكشف خلالها من حقائق وأخطاء، فينتهي من ذلك إلى فكرة معينة ترتكز على تلك التجربة.
وأما التجربة الاجتماعية فهي عبارة عن تجسيد النظام المجرب في مجتمع وتطبيقه عليه، فتجربة النظام الإقطاعي أو الرأسمالي مثلا تعني: ممارسة المجتمع لهذا النظام فترة من تاريخه وهي لأجل ذلك لا يمكن أن يقوم بها فرد واحد ويستوعب ها وإنما يقوم بالتجربة الاجتماعية المجتمع كله، وتستوعب مرحلة تاريخية من حياة المجتمع أوسع كثيرا من هذا الفرد أو ذاك. فالإنسان حين يريد أن يستفيد من تجربة اجتماعية، لا يستطيع أن يعاصرها بكل أحداثها، كما كان يعاصر التجربة الطبيعية حين يقوم بها، إنما يعاصر جانبا من أحداثها، ويتحتم عليه أن يعتمد في الاطلاع على سائر ظواهر التجربة ومضاعفاتها.. على الحدس والاستنتاج والتاريخ.
ثانيا: ان التفكير الذي تبلوره التجربة الطبيعية، أكثر موضوعية ونزاهة، من التفكير الذي يستمده الإنسان من التجربة الاجتماعية.
وهذه النقطة من أهم النقاط الجوهرية، التي تمنع التجربة الاجتماعية من الارتفاع إلى مستوى التجربة الطبيعية والعلمية فلا بد من جلائها بشكل كامل.
ففي التجربة الطبيعية، ترتبط مصلحة الإنسان _ الذي يصنع تلك التجربة _ باكتشاف الحقيقة، الحقيقة كاملة صريحة دون مواربة، وليس له _ في الغالب _ أدنى مصلحة بتزوير الحقيقة أو طمس معالمها، التي تتكشف خلال التجربة. فإذا أراد _ مثلا _ أن يجرب درجة تأثر جراثيم السل بمادة كيماوية معينة، حين القائها في محيط تلك الجراثيم، فسوف لا يهمه إلا معرفة درجة تأثرها، مهما كانت عالية