القاديانية - سليمان الظاهر العاملي - الصفحة ٥١
انتهت الأزمة عندما بلغت الحرب العاملية الثانية أشد أيامها، وآذن المحتلون بالجلاء التام عن البلاد، وأعلن استقلال سوريا ولبنان عام 1363 ه‍ = 1943 م، وخرج المستعمرون من الباب ليدخلوا من النافذة كما هو شأنهم في كل بلد احتلوه.
وقد تعرضت حياة شيخنا الظاهر للخطر غيره مرة، غير أنه ظل ثابتا على موقفه المعادي لكل أنواع الاحتلال، ولم يفت في عضده الارهاب كما فت عضد غيره، كما لم يسل لعابه الذهب والعروض كما هي الحال في كثير من المعارضين والمجاهدين الذين توقفت مسيرتهم عند منتصف الطريق، وآثروا المال والمنصب، بل ظل كما هو في جهاده الموصول إلى نهاية الشوط.
مساهمته في النهضة الثقافية:
كانت مدينة " النبطية " - رغم كونها قاعدة حكومة - متخلفة للغاية إذ كانت الأمية فيها قد بلغت أقصى حدودها، فقد كان يبلغ عدد قارئي القرآن الكريم قراءة بسيطة بلا حفظ وتجويد، ومن يكتب كتابة غير صحيحة الإملاء ولا مستقيمة الرسم، لا يزيد على العشرة في المئة في الذكور، وأما في الإناث فلا تكاد توجد واحدة في المئة. وقد عرف المترجم له بين قومه بمحبته للعلم ونشر الثقافة منذ نعومة أظفاره، فأخذ يجد ويبذل غاية سعيه في النهوض بمستوي التعليم في وسطه على ضيق إمكانه، وكان يساعده في ذلك نفر يعد على الأصابع، منهم زميله ومشاركه في جميع مراحل حياته العلمية والأدبية والسياسية الشيخ أحمد رضا (1) رحمه الله.

(١) عالم مؤرخ ولغوي متضلع وأديب كبير من أسرة شريفة في النبطية، نشأ مع العلامة الظاهر نشأة عالية وشاركه في التلمذة على أساتذته، وضاهاه في معارفه وثقافاته، وأسهم معه في الحركات الوطنية والسياسية والخدمات العامة وحمل راية العلم وإعلاء شأن الأمة، أهم مؤلفاته وأشهرها " من اللغة العربية " ألفه بتكليف المجمع العلمي العربي بدمشق وطبع في خمس مجلدات ضخام.
ولد عام ١٢٩٠ ه‍ = ١٨٧٣ م وتوفي عام ١٣٧٢ ه‍ = ليلة الأحد ثامن تموز سنة ١٩٥٣ م وكان حفل تأبينه ضخما ونشر كثير من مراثيه في مجلة " العرفان " وأرخت وفاته بقولي:
قد شاد أحمد صرح * العلوم إذ كان ماثل وقوم الفضل حتى * أمسى عديم المماثل وتلك آثاره الغرفي * ذي الحياة دلائل لذا نعته المعالي * مذ غاب كالبدر آفل تقول يا مجد أرخ * " قد ضاح صرح الفضائل ".
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»
الفهرست