القاديانية - سليمان الظاهر العاملي - الصفحة ٥٣
الطامعين في انحلال الجمعية والاستيلاء على أملاكها باسم الدين، وتحريك الغوغاء، والاستعانة بالمستشار الفرنسي في صيدا " المسيو بانسون " الذي منع الجمعية عن السير في طريقها بحجة حفظ الأمن مدة قاربت السنة، والجمعية تجاهد وتجالد في سبيل إلغاء ذلك المنع، حتى انتهى الأمر بتحكيم " الشيخ مصطفى نجا " مفتي بيروت ورئيس جمعية المقاصد الخيرية فيها في ذلك الأمر، وانحلت العقدة ورجع كل شئ إلى مجراه الطبيعي، واستمرت في تفوق وارتقت درجة التعليم حتى بلغت النسبة المئوية 90 / في الذكور و 80 / في الإناث، وأصبحت النبطية دار علم يؤمها الطالبون من الأنحاء العاملية، وصارت مدارسها سلما للصعود في النش ء العاملي، فكثر فيها حملة الشهادات العالية في الطب والحقوق، والهندسة والرياضيات، والزراعة والتعليم وغيرها، كما امتد أثر ذلك إلى غيرها من البلاد.
وقد رأس شيخنا الظاهر تلك الجمعية أكثر من عقد ونصف العقد حتى توفي، واستطاع أن ينهض بأعباء علمية وعملية مع كثرة المعاكسين، ويندر مثليها اليوم لأنها قد ملكت - بفضل جهوده ومساعيه - عقارات في أهم مواقع المدينة، وهي ذات قيمة وريع يكفل الانفاق على مدرستيها، وتعليم العلوم الدينية في الطليعة من منهاجيهما.
وشاء الله أن يقيض لتلك الجمعية من يأخذ بيدها ويرد الأيدي العادية عنها، كالزعيم النائب يوسف الزين (1) وأخيه الحاج حسين فلهما الأيادي

(1) من الشخصيات اللبنانية الكبيرة ورجال الإنسانية النوادر والوجوه التي كانت تخدم وتعمل لوجه الله... كان زعيم الجنوب لكنه لم يكن ليفرق بين الجنوب والشمال، وكان من عظماء الشيعة وكبراء المسلمين، لكنه لم يجعل مائزا بين الشيعة والسنة والمسلمين والمسيحيين، فكما أطعم وآوي الألوف من أبناء المسلمين أيام الحرب العالمية الأولى قدم المؤن للأديرة المسيحية ك‍ " دير المخلص " و " دير مشموشة " وغيرهما.
قال الكونت: " دي جوفنيل " المفوض السامي للحكومة الفرنسية عندما علق على صدره وسام " جوقة الشرف من رتبة فارس " باسم رئيس الجمهورية الفرنسية: " يا صديقي الزعيم إن ما قمت به من أعمال خالدة.. في الأزمنة الأخيرة... " ثورة الدروز سنة 1925 " وضيافتك للألوف التي هربت من بيوتها ولجأت إلى منطقتك أثرت بنا كثيرا، وضيافتك خاصة للمسيحيين الذين لم يشعروا وهم في داركم إلا وكأنهم في بيوتهم، وقد وضعت جميع ما تملك بين أيديهم... ".
وقال الأستاذ نصري معلوف في تأبينه: " آمن بأن الخلق كلهم عباد الله وأن أقربهم إليه أحبهم لبعاده.. فما حجب محبته عن أحد، ولا أقام لإنسانيته حدودا من طائفية عنصرية أو طبقية... ".
من خدماته التي لا يأتي عليها أحد: بناء أول مدرسة خيرية في النبطية، وجر مياه " نبع الطاسة " من ماله الخاص لإرواء النبطية وعديد من القرى المجاورة، وجر مياه " نبع الطاسة " من ماله الخاص لإرواء إقليم " الخروب " والعديد من قرى منطقة " الزهراني ". وجلب أخصائيين من أوروبا على نفقته الخاصة وتوزيعهم في القرى لتعليم أبناء الجنوب زراعة وصناعة التبغ. وغير ذلك كثير.
توفي يوم عرفة عام 1381 ه‍ = مارس 1962 م، وكان حفل تأبينه من أضخم المشاهد التي جمعت الطوائف الإسلامية والمسيحية، وخصته جريدة " جبل عامل " التي هي ملحق مجلة " العرفان " بأكثر مواضيع عددها الرابع الصادر في 12 محرم 1382 ه‍ = حزيران 1962 م، ومن أروع الصور المنشورة فيه صورته في شيخوخته وهو يتوسط أولاده العشرة.
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»
الفهرست