مع الشهيد عبد الكريم الخليل، ورضا الصلح، ورياض الصلح في ثلاث عشرة جلسة متتابعة، تقدم للشهادة عليهم سبعة عشر شاهدا كان أكثرهم في عداد المتهمين، لكنهم اعتبروهم شهودا بعد أن أخذوا منهم المواثيق بأنهم يشهدون كما تريد السلطة، لكن ثلاثة من الأشراف كانوا مثال الشهامة والوجدان، فلم يتقيدوا بالمواثيق، وهم الشيخ محي الدين عسيران، والشيخ أحمد عارف الزين، وراشد عسيران، ووفي الباقون بما وعدوا به السلطة فتكلموا على هواها، وكانت النيابة العامة في تلك المحاكمات مفوضة لشهم هو صالح عبد العال، فكان هو الذي يترجم دفاع المتهمين بلباقة لا يشعر بها الحاكم، ولكن أمره قد راب رئيس الديوان فنحاه عن النيابة والترجمة، وخرج قضاة الديوان إلى (صيدا) و (صور) ليحققوا، فرجعوا وقد اعتقلوا جماعة أخرى، وقبل أن يبتوا بالأمر ظهرت التهمة على القافلة الثانية في بيروت، وهم أبناء المحمصاني ورفاقهم، وشغل الديوان بأمرهم لأنه لأنه أنس شيئا يصلح له أن يتمسك به في تهمتهم، وختمت المحاكمة لهاتين القافلتين بنصب المشانق لأحد عشر متهما من المسلمين والمسيحيين في " ساحة البرج " ببيروت، ولسبعة في " ساحة المرجة " بدمشق بتهمة الموالاة للقضية العربية، وأطلق سراح الباقين وذلك عام 1335 ه = 1916 م، وقد سميت الساحتان بساحة الشهداء حيث نصبت المشانق، وصار السادس من أيار " عيد الشهداء " يحتفل بذكراه في سوريا ولبنان كل عام.
وبعد خروج المترجم له من السجن تحدث له المترجم صالح عبد العال بأن جمالا السفاح كان يطلب طلبا حثيثا من رئيس الديوان أن يعجل بالحكم على المتهمين ليكون ذلك أول عملية جراحية كان يريدها لسوريا المتمخضة بالثورة، ورئيس الديوان يلح على النائب العام فيدفع طلبه بالوعود حتى يظهر له ما يدان به المتهمون وهو قريب جدا، وبمثل هذا الكلام كان يؤخر تعجيلهم بالأمر، وفي سبيل ذلك التعجيل خرجوا بغية قبض الآخرين.
ولم يكن ما لقيه في عهد الاحتلال الفرنسي لبلاده أقل مما عاناه من الأذى في عهد الأتراك، ففي 14 رجب سنة 1338 ه = ثالث نيسان سنة