القاديانية - سليمان الظاهر العاملي - الصفحة ٢١١
إن هذه الدعوى ليست مما تثبت به النبوة وتحوم حولها شكوك كثيرة، الشك في صحتها، الشك في صدق كل ما أخبر به، الشك في أن التسليم بها هل هو ناشئ عن مجرد الوثوق بالمخبر أو عن مشاهدة ومعاينة، الشك في أن كل ما أخبر به وقع كما أخبر عن استقراء، أم عن قياس ما لم يعلم على بعض ما علم، ومما يمكن حصول مثله عن حدس وتجربة من المتنبئ وغير المتنبئ.
ووجه آخر وهو أن التسليم بنبوة الأنبياء يتفاوت على نسبة ما بين من يسلم بها من علم وجهل وذكاء وفطنة وغباوة وبلاوة وما إلى ذلك، وبكل يفسر الأمور الحادثة والوقائع المتجددة على ما يؤديه إليه فهمه، وهم بعد أصناف على نسبة التفاوت ما بينهم في الأفهام، فمنهم من يقنعه الخطاب، ومنهم من يقنعه الجدل، ومنهم من لا يقنع إلا بالبرهان والقياس المنطقي، ومنهم من تقنعه الظواهر، ومنهم من ينفذ ذهنه إلى ما وراءها، وكمثل هذا التفاوت بين الأفراد التفاوت بين الأمم والجماعات، وكما أن للانسان تطورات في حياته الجسيمة تلازمها تطورات في حياته العقلية والأدبية حتى يبلغ رشده، فللأمم مثل ذلك التطور في الحياة العقلية والأدبية، والشرائع الإلهية كانت تتنزل على الأنبياء، المؤيدة نبواتهم بالمعجزات مراعية تطوراتهم في سلم الحياة الروحية، كانت أمة موسى (عليه السلام) منصرفة إلى الحياة المادية الصرف وفي عصر رواج الشعوذات والسحر، فكانت شريعته أكثر مادية في تعاليمها منها روحية، وكانت معجزته إبطال سرحهم وتخيلاته وإذعانهم إلى نبوته، وكانت أمة عيسى في عصر الفلسفة الروحية ورواج فلسفة سقراط وأفلاطون ومثله وجالينوس وبقراط وطبهما، فكانت معجزته من نوع ما في ذلك العصر من روحية ومن طب ظهر ما عالج به المرضي وما جاء به من معجز لا يصل إليه الطب على ما يحسنونه منه وعجزوا عن مثله فأذعنوا لشريعته، وكانت الأمة العربية على بعدها عن الحضارات وتفرقها في الجزيرة أوزاعا وأشياعا وشعوبا وقبائل وعكوفها على عبادة الأصنام في عصر رواج الفصاحة والبلاغة والغاية بالخطابة والشعر، وهي على حال ليس فيه شئ من النظام وفي حياة تتنازعها المادة والروح مملوءة بالخيالات والأوهام، فكانت رسالة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وسطا بين رسالات النبيين
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»
الفهرست