القاديانية - سليمان الظاهر العاملي - الصفحة ٢٠٠
وبمن استجمع شرائطهما والاختلاف فيهما يؤديان إليه من الحكم، شرط أن لا يتجاوز المجتهد والمستنبط الاختلاف فيما يفهم من الألفاظ الواردة عن الشارع منطوقا أو مفهوما بإحدى الدلالات من المرخص به منه، وهو مما امتحنت به العقول، بل هو من تمام لطفه تعالى، لأنه به صيانة الأحكام وحماية دين الإسلام من أن يدخل فيه ما ليس منه.
5 - إن الله عز وجل أرجع في محكم كتابه وفي سنة نبيه الجاهلين إلى أولئك المستنبطين في فهم أسرار الشريعة وفي أحكامها منهم، ولم يدع الأمة فوضى تتحكم فيها بمحض الآراء، وهم ليسوا أنبياء موحى إليهم.
6 - إن الأمة الإسلامية كما جاء في الحديث المستفيض من افتراقها إلى ثلاث وسبعين فرقة (1) لم تفارق بهذا الافتراق سنة الله في خلقه، وكانت فيه كما نص عليه الحديث كأمة موسى التي افترقت إلى إحدى وسبعين فرقة، وأمة عيسى التي افترقت إلى اثنتين وسبعين فرقة، ولو كان من سنته تعالى الإكراه والالجاء في التكليف ولم يدعه إلى اختيار المكلفين، لما كان ذلك الافتراق في أمتي موسى وعيسى (عليهما السلام) ولا في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم رسله.
على أن معنى عدم الإلجاء في التكليف ليس هو ترك حبل المكلف على الغارب وتخليته وشأنه يتخبط في شكوكه وأوهامه، بل معناه ترك الاختيار له بعد أن هداه الله النجدين ونصب له الدلائل على دينه الحق وأمده بلطفه، ولم يكتب البقاء لجل الفرق المتفرعة عن الإسلام، وقد ابتعدت ابتعادا كليا عن روحه وتعاليمه الحقة، ومنها من لم يصدق عليه اسم الإسلام، وما بقي منها فمحاط بإطار من الأسرار محجوب عن الأنظار، ولكنه تعالى كتب البقاء والدوام لفرقتي السنة والشيعة الإمامية اللتين مهما اختلفتا في بعض أمور اجتهادية سواء أكانت في العقائد أم في الأحكام، فإنهما من حيث روح الإسلام وجوهره وحده، ولا غرو فإن من سنته تعالى بقاء الأنسب والأصح في كل شئ (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) [الرعد / 17].

(1) تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر، بيروت، ج 4، ص 181.
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»
الفهرست