للمادة منها جانب وللروح جانب، وفيها النظام الكامل، وفيها ما يكفل صلاح الأمم البالغة رشدها إلى قيام الساعة، والأمم كافة على ما بينها من التفاوت في الرقي العلمي والفكري، وكانت معجزته الخالدة القرآن المجيد الذي عجز بلغاء العرب في عصره ومختلف العصور عن أن يأتوا بمثل سورة من سوره وأقصرها، بل وعن آية واحدة من أيها، كما أعجز بلغاء كل الأمم إلى أن تقوم الساعة عن الإتيان بمثله وبمثل آية من آياته.
إن إعجاز القرآن كما هو في بلاغته التي لا يدرك أمدها، فهو معجز فيما قص من أخبار أمم دارسة جهلها التاريخ والمؤرخون وفي حكم وضرب أمثال لم يرو مثلها لحكماء اليونان وغيرهم من حكماء الأمم الأخرى، وهو معجز في تشخيصه أدواء النفوس في الأمم والأفراد ووصف أدويتها، ومعجز في نظمه وشرائعه التي بذت كل ما سنه متشرعو الأمم، ومعجز في أخباره عن كثير من الغائبات ووقوعها، وفيما حواه من أصول العلوم وفي ملاءمته لكل الطبائع والأمزجة، وتأليفه بين العقل والشرع، ومعجز في مناجاته النفوس ونفوذه من الأذان إلى مسامع القلوب وشعورها كلما تكررت تلاوته تجددت حلاوته وطلاوته، معجز بكل ما في آي الله في إصلاح فطر البشر من إعجاز.
إن القرآن لا الإخبار عن المغيبات التي هي مظنة للشكوك هو معجزة محمد الخالدة، وكما كان دليل نبوته وشاهد صدقه العدل وقت تنزيله فهو معجزته اليوم حيال معجزات اليوم، فهلا أتى المسيح الهندي إن كان كما يزعم نبيا موحى إليه بمعجزة من نوع ما هو ملائم لروح عصره مستوحاة من علومه وفنونه واختراعاته، بحيث يعجز أبناؤه عن الإتيان بمثلها، أو من نظمه بحيث يجئ بتعاليم تنتظم أمور الجماعات انتظاما ما يقضي على أكثر ما في أنظمته من مفاسد، وبحيث تنزع ما في النفوس من مبادئ ضارة أو من دساتير حكوماته، فتصلحها إصلاحا تذعن له الأمم وتدين كلها به.
إن ما في سيرة محمد وكتابه وسنته علاج لكل ما في الجماعات البشرية من أدواء إن طبقت مبادؤها كلها على النوع الإنساني، وهي زعيمة سعادته وخلاصه من كل ما يتعثر به من سمومها ونقائصها، وفيها الغناء عن نبي جديد