القاديانية - سليمان الظاهر العاملي - الصفحة ٢١٤
ووجه آخر وهو ما نختم به هذا البحث، وهو أن الذين يصدقون بالمغيبات والكشف عن المخبئات وينقلون حديثها إلى الناس، جلهم أو كلهم ينقل ما قد يصدق اتفاقا من طريق التخمين والحدس لا من طريق العلم بالغيوب المحجوب، إلا عمن اصطفاهم الله لرسالته لمصلحة أداء الرسالة ويطوي خبر ما لم يصدق وكثير من الناس ولوع بالغرائب والتحدث بالغرائب، وإذا كان للناقل تأثر بعقدة بالمنقول عنه أو وثوق به، كان الإخبار عما يزعم من العلم بالمغيبات ادعى لترويجه بين الناس لحملهم على اتباع نحلته وتصديق دعواه. ويروي البخاري عن عائشة (رض) سأل أناس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الكهان، فقال: " إنهم ليسوا بشئ ". فقالوا: يا رسول الله فإنهم يحدثون بالشئ يكون حقا، قال: فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) " تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه كقرقرة الدجاجة فيخلطون فيه أكثر من مائة كذبة " (1).
وجواب تحديه الناس بأنه لم يرعف في مدة حياته بالكذب وأنه لازم التقوى منذ نعومة أظفاره، إنا لا نرى موجبا لهذا التحدي، فإن في الأمة ممن جمع هاتين الصفتين من يضيق بدهم وحصرهم نطاق البيان، فهل وازن فيهما خيار الصحابة والعلية من التابعين وتابعيهم وأئمة أهل البيت، بل وهل جمع إليهما ما أوتوه من علم واسع وجرأة في نصرة الحق ومناهضة الظالمين مناهضة لم يرهبوا بها سلطانهم ولا تخوفوا صولتهم.
هل كان أصدق لهجة من أبي ذر الغفاري وأتقى منه لله، ومن عمرو بن الحمق، وحجر بن عدي وأصحابه، ومن سعيد بن جبير، ومن أويس القرني، ومن عمرو بن عبيد، والأوزاعي ومن أشباههم ونظرائهم، ومن لم تخل الأمة من أمثالهم قديما وحديثا، فإن كان ما اجتمع بهم من الصدق والتقوى والعلم والجرأة مما يبلغون بن درجات النبوة فهلا ادعوها وكانوا أنبياء، بل وكان عليهم لزاما أن يدعوها إن لم تكن اختتمت بنبوة خاتم الأنبياء والمرسلين وكانوا أحق بها وأهلها إن كان بابها لم ينسد وكانت مما يجوز وقوعه، وهل كانت مذخورة لنبي

(1) صحيح البخاري، دار الفكر، بيروت، ج 9، ص 189.
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»
الفهرست