في عدم انقطاع الوحي المزعوم:
أطال صاحب التوضيح الكلام في هذا الفصل محاولا به إثبات عدم انقطاع الوحي بأدلة وأقوال جلها للمتصوفين بزعم تأييدها لدعواه، وإن نقض كل دليل منها يحتاج إلى التطويل في حيث لا طائل، ويؤدي التوسع فيه إلى التباعد بين أطراف البحث وإلى سآمة القارئ، فرأينا أن نوجزه فيما يلي:
الأول: إن للوحي معاني جمة وهو لفظ مشترك بينها.
1 - في القاموس: " (الوحي): الإشارة والكتابة والرسالة والإلهام والكلام الخفي، وكل ما ألقيته إلى غيرك، والصوت يكون في الناس وغيرهم كالوحي، والوحاة جمع وحي، وأوحي إليه بعثه وألهمه، ونفسه وقع فيها خوف " (1).
2 - في مفردات الراغب الأصبهاني في غريب القرآن: وحي: أصل الوحي الإشارة السريعة، ولتضمن السرعة قيل أمر وحي، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب وإشارة ببعض الجوارح وبالكتابة، وقد حمل على ذلك قوله تعالى: (فأوحى إليهم أن سبحوا) [مريم / 11] فقد قيل: رمز، وقيل: اعتبار، وقيل: كتب، وعلى هذه الوجوه المذكورة في قوله: (يوحي بعضهم إلى بعض)، (وأن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم) فذلك بالوسواس المشار إليه يقوله: (من شر الوسواس الخناس). وبقوله (عليه السلام): وإن للشيطان لمة الخبر. ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه وحي، وذلك أضرب حسبما دل عليه قوله: (وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا - إلى قوله - بإذنه ما يشاء). وذلك إما برسول مشاهد ترى ذاته ويسمع كلامه كتبليغ جبريل (عليه السلام) في صورة معينة، وأما بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى كلام الله، وإما بإلقاء في الروع كما ذكر (عليه السلام) " نفث في روعي ". وإما بإلهام نحو (وأوحينا إلى أم موسى) [القصص / 7] وإما بتسخير نحو قوله: (وأوحى ربك إلى