على رجلين وأعلاها كلها في سلم الاجتماع وهو الإنسان، وهذا المعنى المشترك بين الحيوانات أدناها وأرقاها بل والنباتات، كما يرى علماء النبات قضت العناية الإلهية حفظا لأجناس ما ذرأ من المخلوقات وأنواعها أن تختص بغرائز وإلهامات تدفعها إلى ما ينفعها وتجنبها ما يضرها، على أن الإنسان مع مشاركته تلك المخلوقات في الغرائز والإلهام منحه الله تعالى العقل والحفظ والفكر والذكر، وفتح له أبواب العلم، واستخلفه في الأرض لإعمار الأرض، ومهد له سبل العروج إلى أبعد آفاق الرقي، بما سن له من الشرائع على ألسنة رسل موحى إليهم ممن اختصهم بأسمى درجات السمو والعلو تقويما لمسالكه وتثقيفا لمداركه وتقريبا له بالصلة الروحية من خالقه، وأمده بمعقبات من ملائكته يحفظونه من بين يديه ومن خلفه وبالملكين الحافظين له، وما إلى ذلك من ضروب العناية الإلهية بهذا البشر السوي الذي هو الدرة اليتيمة في سمط الابداع والنقطة في مركز الاختراع، واقتضت تلك العناية لحكم لا تحصى التفاوت بين أفراد، حتى يبلغ درجة انقطاع مساواتهم لمن بلغوا أقصى ذروات الكمال الإنساني الذي يفيض الكمال قوة وضعفا على نسبة قبول ذلك الفيض، ممن تتفاوت منهم مراتب قبوله خاشعين لسلطان قوته مختارين أو مضطرين، واقتضت المشيئة الربانية مع ما أوتي ذلك الصف من الكمال الإنساني والقوي القدسية أن تؤيده بالمعجزات الحسية مع تأييده بالمعجزات المعنوية والخلقية.
إن صاحب التوضيح لم يفرق بين معاني الوحي، وحاول أن يخالف نصوص الأئمة التي أوردناها بجعله واردا على معنى واحد، وأورد من الشواهد على دعواه ما قد تبين أن جلها ليس من نوع الوحي المصطلح، وهو ما يوحي به إلى الأنبياء والمرسلين، فلا نعيده لأنه ترديد لا يغني غناء.
إن من الغريب تأويله ما لا يحتمل التأويل من لفظ الحديث الصريح الدلالة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) " لم يبق من النبوة إلا المبشرات " قالوا: وما المبشرات؟ قال:
الرؤيا الصالحة (1)، حيث قال: إن هذا الحديث لا يدل على انقطاع الوحي،