اللغة التي نزل فيها الكتاب، وما كان تأويله منطبقا على قوانينها المحررة، وما كان مما يجب صرفه عن الظاهر فيما يقضي العقل أو السمع بذلك وكان المفسر مما فيه مجال للرأي ولم يرد فيه نقل صحيح أو نص صريح، وما كان الجمود على الظاهر وسد باب التفكير والنظر من طبيعة الإسلام وهو ينهى عنهما وينعى على الجامدين والمقلدين جمودهم وتقليدهم في غير ما آية، وكفى برهانا على إطلاق الإسلام للعقل النظر وتحريره ما حدث من العلوم الإسلامية المؤسسة على قوانينه الصحيحة، فمن المكابرة رمي صاحب التوضيح علماء المسلمين بالجمود وهو يرى منهم كل زمان ومكان من لا يشق غباره ولا يدرك أمده في فلسفة الشريعة الإسلامية، وفي رد كيد الناجين له ولصاحب رسالته الخالدة العداوة إلى نحورهم قبل أن يولد نبيهم وبعد أن ولد، لم تخمد لهم نار غيرة، ولم تسكن لهم ريح حمية.
وبعد فلنعد إلى تفسير الآية، ففي الكشاف في معنى (ضالا): " الضلال عن علم الشرائع وما طريقه السمع كقوله: (ما كنت تدري ما الكتاب) وقيل:
ضل في صباه في بعض شعاب مكة فرده أبو جهل إلى عبد المطلب، وقيل:
أضلته حليمة عند باب مكة حين فطمته وجاءت به لترده على عبد المطلب، وقيل: ضل في طريق الشام حين خرج به أبو طالب، فهداك فعرفك القرآن والشرائع، أو فأزال ضلالك عن جدك وعمك، ومن قال: كان على أمر قومه أربعين سنة، فإن أراد أنه كان على خلوهم عن العلوم السمعية فنعم، وإن أراد أنه كان على دينهم وكفرهم فمعاذ الله، والأنبياء يجب أن يكونوا معصومين قبل النبوة وبعدها من الكبائر والصغائر الشائنة فيما بال الكفر والجهل بالصانع (ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ) وكفى بالنبي نقيصة أن يسبق له كفر " (1).
وقال الشريف المرتضى في كتابه (تنزيه الأنبياء): " فإن قيل: فما معنى قوله تعالى في: (ووجدك ضالا فهدى) أوليس هذا يقتضي إطلاقه الضلال عن الدين؟ وذلك مما لا يجوز عندكم قبل النبوة ولا بعدها.