محتجا بأن ذلك لا يكون حقا بدليل قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حق المسيح الموعود بأنه يوحي إليه. أما أولا فلان حصره بعدم بقاء شئ من النبوة إلا المبشرات شامل ولا ريب الوحي الذي هو دليل النبوة، بل هو والنبوة متلازمان، وأما احتجاجه بالوحي إلى المسيح فهو غريب، فإذا صح له ثبوت بقاء الوحي وادعى أن صاحبه ممن يوحى إليه فكيف ينكر الوحي إلى نبي بمثل ما يوحي به إلى نبيه المزعوم من إقرار شريعة خاتم النبيين واتباعها مع الاعتراف بنسخ شريعته التي نزلت عليه مضافا إلى ما ورد من حديث صحيح في نزوله وعمله بشريعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
إن استدلاله بالحديث.. " لقد كان فيمن قبلكم من بني إسرائيل رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء فإن يك في أمتي منهم أحد فعمر " لا يؤيد دعواه، فإن من المحتمل بل من القوي أن يراد من التكلم ما هو من نوع الالهام وهو ما يراد من إحدى معاني الوحي، أو أن يكون معناه أنهم يعملون بشريعة من يكلمهم الله وهم من أوحي إليهم من النبيين، فيكون إطلاق المكلمين من اتباعهم على المكلمين بالوحي وهم النبيون مجازا.
وكذلك لا يثبت مدعاه استدلاله بالحديث " لقد كان فيمن قبلكم من الأمم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإنه عمر " فإنه يراد من هذا التحديث الفراسة والإلهام لا الوحي المخصوص به الأنبياء. وقال ابن الأثير في النهاية بعد إيراده هذا الحديث: " جاء في الحديث تفسيره أنهم الملهمون، والملهم هو الذي يلقى في نفسه الشئ فيخبر به حدسا وفراسة، وهو نوع يختص به الله تعالى من يشاء من عباده الذين اصطفى مثل عمر، كأنهم حدثوا بشئ فقالوه " (1)، على أنه يمكن أن يكون المفهوم من التعليق بأن الشرطية التي الأصل فيها عدم الجزم بوقوع الشرط في اعتقاد المتكلم في الحديثين أنه لا محدث في الأمة حتى ولا عمر، ولكن يثبت في نصهما مزيد فضل لعمر.
واستدلاله على دعواه بقراءة ابن عباس وما أرسلنا من رسول ولا نبي ولا محدث لا يدل على مطلوبه، لأن الإرسال يشمل الرسول الموحى إليه وغيره.