إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٧٩
انحصر قوادهم بعد النبي (ص) في عباس وعقيل وعدم تصلبهما في أمر الدين وقصر همتهما على انتظام أمر معاشهما معلوم مشهور ولهذا قال أمير المؤمنين (ع) لو كان حمزة وجعفر حيين لما طمع في هذا الأمر أحد ولكني قد ابتليت بجلفين جافين عباس وعقيل وأما ما ذكره من أنه فاطمة في علو منصبها كانت في بيته إلى آخره ففيه أن علو منصب فاطمة (ع) إنما كان بحسب الدين والقرب إلى الله لا بحسب مناصب الدنيا وكثرة الأعوان والخيل والخدم مع أنها عليها السلام لم تستحل ما فعلته عايشة من الركوب على الجمال والخروج للقتال بين الأجانب من الرجال وأمرها لعلي (ع) إنما يفيد لو وجد على ذلك أعوانا وإذا رأت أن جمهور قريش أجمعوا على خذلان علي (ع) واستضعفوه واتفقوا لضغاين كانت في صدورهم على تقديم أبي بكر عليه لم تجد لأمر علي (ع) بالخروج وجها وأما الأنصار فقد مر إنه قد اشتبه عليهم الأمر في أول الأمر ثم عدل الأوس لحسدهم وحقدهم على سعد بن عبادة رئيس الخزرج إلى أبي بكر غما له وقرروا بيعة بي بكر على أنفسهم وعلى بقية الخزرج فلم يبق أن يتوقع منهم النكول عن ذلك إلى نصرة علي (ع) ولهذا هرب سعد بعد ذلك إلى الشام وقتل غيلة بإشارة المتغلب الثاني وأوقعوا في الأفواه إنه قد قتله الجن وأما ما ذكره من أنه لا شك أن أبا بكر كان أضعف منه فمسلم إنه كان أضعف من ساير آحاد قريش لكن قد مر مرارا إن جمهور قريش اتفقوا على تقويته رغما لعلي (ع) ودفعا لتهمة اتفاقهم على الباطل حيث لم يقدموا أحدا من عظمائهم وصناديدهم فتأمل قال المصنف رفع الله درجته وروى ابن المغازلي الشافعي في كتاب المناقب بإسناده قال قال رسول الله (ص) لعلي بن أبي طالب (ع) إن الأمة ستغدر بك بعدي ومن كتاب المناقب لأبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه الحافظ من الجمهور بإسناده إلى ابن عباس قال خرجت أنا والنبي وعلي فرأيت حديقة فقلت ما أحسن هذه يا رسول الله (ص) فقال حديقتك في الجنة أحسن منها ثم مررنا بحديقة فقال علي (ع) ما أحسن هذه يا رسول الله (ص) قال حتى مررنا بالسبع حدايق فقال رسول الله حدايقك في الجنة أحسن منها ثم ضرب بيده على رأسه ولحيته وبكى حتى علا بكاء وقال علي (ع) ما يبكيك يا رسول الله (ص) قال ضغاين في صدور قوم لا يبدونها لك حتى يفقدونني فإذا كان علمائهم قد رووا مثل هذه الرواية لم يخل أما أن يصدقوا فيجب العدول عنهم وأما أن يكذبوا فلا يجوز التعويل على شئ من رواياتهم البتة انتهى وقال الناصب خفضه الله تعالى أقول ما روي عن ابن المغازلي أن الأمة يغدرون بعلي فإن هذا ظاهر وقد غدره الناكثون و القاسطون والمارقون والبغاة والخوارج وهذا لا يتعلق بالخلفاء وما روي أن الضغاين كانت في صدور أقوام منه فهذا أيضا ظاهر لأنه روى أنه لم يكن بطن من بطون قريش إلا وكان لهم على أمير المؤمنين دعوى دم أراقه في سبيل الله والضغاين كان في صدورهم ولكن لم يظهروه ما دام أمر الخلفاء منتظما وأظهروه بعد انقراض الخلفاء في زمن خلافته وخالفوه ثم ما ذكر أن علمائهم يروون هذا فنحن لا نعرف ابن المغازلي وأشباهه ممن يذكر عنهم المناكير والشواذ وأما ما ذكره ورواه من الصحاح فنحن نسلم صحته ونذكره معاينة ونبينه على وجه لا يبقى فيه ارتياب ولا يخالف شيئا من قواعد المذهب الحق كما رأيته انتهى وأقول فيه نظر أما أولا فلأن ما ذكره في تأويل الغدر الذي أخبر به النبي (ص) مدخول بأن حرف السين في قوله (ص) سيغدر بك يدل على الاستقبال القريب وغدر الناكثين و القاسطين والمارقين إنما ظهر بعد ثلاثين سنة فلا يتجه الحمل عليه ولو أراد (ص) ذلك لقال سوف يغدر بك إلى آخره لأن سوف هو الموضوع للاستقبال البعيد و أما ما نطق الله به لسانه من رواية دعوى كل بطن من بطون قريش على أمير المؤمنين (ع) إراقة دم فقد دل بمنطوقه على دخول تيم وعدي وأمية قاطبة في حزب الغادرين بل هؤلاء الثلاثة كانوا من مشاهير بطون قريش فلا يبقى بعد ذلك للإنكار مجال ثم ما الذي يوجب إنكار إظهار ضغاينهم عند وفاة النبي (ص) وأيام المتسمين بالخلفاء مع ما ظهر منهم هناك من جحد النص الشهير ونقض بيعة الغدير باتفاقهم على خذلان علي (ع) وتقديم غيره في الخلافة عليه وأخذ حقه من بين يديه حتى صار ذلك سببا لجرة الطوائف الثلاثة في الخروج عليه بعد ذلك وقتل أولاده وسبي ذراريه وإيقاعه في المهالك كما مر عن بعض الأكابر إنه لما سئل عنه عن موضع قتل الحسين (ع) أجاب بأنه قتل في سقيفة بني ساعدة عند البيعة على أبي بكر وأما ثانيا فلأن ما ذكر من إنا لا نعرف ابن المغازلي إن أراد به مجرد نفسه فهو لا يعرف شيئا أصلا فلا يضر أن يكون هذا أيضا من جملة مجهولاته وإن أراد نفسه مع غيره من أهل نحلته فقد مر إن أصحابه يعرفونه و قد روى عنه ابن حجر المتأخر في صواعقه وغيره وأما ثالثا فلأن ما ذكره من أنه بين معاني ما رواه المصنف من صحاحهم على وجه لا يبقى فيه ارتياب فدعوى كاذبة صادرة عن جهله المركب زينها له شيطانه أو الشيطان الذي كان يعتري خليفته الأول وإلا فقد أوضحنا بحمد الله تعالى إن ما جاء به في ساير أبواب الكتاب كظلمة غيره يظنه الجاهل فيا أو كسراب بقيعة أو يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ثم لا يخفى على الناظر أن هذا هو الموضع الذي أحلنا عليه سابقا و قلنا إن الناصب قد اعترف فيه بأن للقوم كانت ضغاين من علي (ع) وأنه لم يكن بطن من بطون قريش إلا وقد كان لهم عليه دعوى دم أراقه في سبيل الله فاحفظه فإنه من جملة ما أنطقه الله فيه بالحق والله يحق الحق ويبطل الباطل ببينات آياته قال المصنف رفع الله درجته وقد روى الحافظ محمد بن موسى الشيرازي في كتابه الذي استخرجه من التفاسير الاثني عشر تفسير أبي يوسف يعقوب بن سفيان وتفسير ابن حجر جريج وتفسير مقاتل بن سليمان وتفسير وكيع بن حرب الطائي وتفسير السدي وتفسير مجاهد وتفسير مقاتل بن حيان وتفسير أبي صالح وكلهم من الجماهرة عن أنس بن مالك قال كنا جلوسا عند رسول الله (ص) فتذاكرنا رجلا يصلي و يصوم ويتصدق ويزكي فقال لنا رسول الله (ص) لا أعرفه فقلنا يا رسول الله (ص) إنه يعبد الله ويسبحه ويقدسه ويوحده فقال رسول الله (ص) لا أعرفه فبينا نحن في ذكر الرجل إذ قد طلع عليها فقلنا هو ذا فنظر إليه رسول الله (ص) وقال لأبي بكر خذ سيفي هذا وامض إلى هذا الرجل فاضرب عنقه فإنه أول من يأتيه من حزب الشيطان فدخل أبو بكر المسجد فرآه راكعا فقال والله لا أقتله فإن رسول الله (ص) نهانا عن قتل المصلين فرجع إلى رسول الله (ص) فقال يا رسول الله (ص) إني رأيته يصلي فقال رسول الله (ص) اجلس فلست بصاحبه قم يا عمر وخذ سيفي من يد أبي بكر وادخل المسجد فاضرب عنقه قال عمر فأخذت السيف من أبي بكر ودخلت المسجد فرأيت الرجل ساجدا فقلت والله لا أقتله فقد استأمنه من هو خير مني فرجعت إلى رسول الله (ص) فقلت يا رسول الله إني رأيت الرجل ساجدا فقال يا عمر اجلس فلست
(٢٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 274 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 ... » »»