كمجادلة غيرهم من طوايف العرب ومعاداة بعضهم مع بعض فقد روى ابن حجر في صواعقه أن بني تميم وبني عدي كانوا أعداء لبني هاشم في الجاهلية ولا نعلم فائدة لذلك في دفع كلام المصنف في أن تلك الأحقاد والضغاين الجاهلية كانت مركوزة في قلوبهم حين الإسلام أيضا ولم يقلع عنهم بالكلية وإن غصب الخلافة عن أهل بيت النبي (ص) وإجماع قريش على دفعهم عن مراتبهم التي رتبها الله تعالى لهم إنما كان للأحقاد الجاهلية والأضغان البدرية وقتل أهلهم و أولادهم بالسيوف المرتضوية وغرض المصنف من ذلك دفع ما يقول أهل السنة من أن الأضغان والأحقاد الجاهلة قد نزعها الله تعالى عن قلوبهم بقوله ونزعنا ما في صدورهم من غل وحاصل الدفع أنه لو كان المراد بنزع الغل في قوله تعالى نزعه من قلوب جمهور قريش والأنصار دون جماعة مخصوصة ممن خصهم الله بمزيد ألطافه لكذب ذلك بما صدر من آثار الغل عن قريش والأنصار في زمان رسول الله (ص) وما بعده وأما ما ذكره من تسارعهم إلى أمر رسول الله (ص) فلم يقع في هذه الواقعة ولم يمكنوا رسول الله (ص) من الانتقام عن الرجل الذي أتى بالإفك حتى سكت عليه السلام على أن التسارع إلى أمره بعد التجادل و التنازع في أيام حياته لبعض الحياء أو لطمع في جاهه لا يستدعي امتناع ظهور مثل ذلك أو أشد منه عنهم بعد وفاته وأما ما ذكره من أن المصنف لم يذكر محاسنهم ومساعيهم إلى آخره فقد أشرنا إلى وجه ذلك سابقا بما حاصله أنه لا يناسب عن المصنف ذكر حسنات جماعة يعتقد فيهم أنهم أحبطوها بعد ذلك بالسيئات وحرموا عن حسن العاقبة بدفع أهل بيت نبيهم أو خذلانهم إلى غير ذلك نعم إنما يثاب ذلك بحال عسى حمله غباوته أو تقليده لأسلافه على حسن الظن بأمثال هؤلاء المطعونين وإن ذهب الحجة على عينه بأنهم المذمومين الملعونين وأما ما ذكره من مخالفتهم للنبي (ص) في حياته في أهم مهماته لا يوجب أن يتركوا نص رسول الله (ص) بعد وفاته فعلى تقدير تسليم بعض مقدماته فنقول إن المصنف قدس سره لا يدعي إيجاب ترك النص بل الجواز المقارن للوقوع وقد وقع حسبما سجل عليه حاكم النقل ووقع وأما قوله مع أن النص كان مقيدا لهم في دفع بيعة بي بكر فقد مر جوابه من أنهم علموا النص والمنصوص عليه لكن شبهوا عليهم الأمر باشتغال المنصوص عليه في دفن النبي (ص) فلم يفدهم ذلك فتذكر قال المصنف رفع الله درجته وروى الحميدي في مسند أبي هريرة في صحيح مسلم من المتفق عليه أن النبي (ص) لما فتح مكة وقتل جماعة من أهلها فجاء أبو سفيان بن الحارث بن هاشم فقال يا رسول الله ابد مضرت قريش فلا قريش بعد اليوم فقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن فقالت الأنصار بعضهم لبعض إن الرجل لأدركته رغبته في قومه ورأفة بعشيرته وفي رواية أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قرابته فلينظر العاقل هل يجوز ويحسن من الأنصال مثل هذا القول في حق النبي (ص) وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عايشة لولا أن لقومك عهد حديث بالجاهلية وفي رواية عهد حديث بالكفر وفي رواية عهد حديث بالشرك وأخاف أن ينكر قلوبهم لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له ما بين بابا شرقيا وبابا غربيا فبلغت به أساس إبراهيم فانظر أيها المنصف كيف يروون في صحاح أحاديثهم أن النبي (ص) كان يتقي قوم عايشة وهم من أعيان المهاجرين والصحابة من سوء تواطئهم في هدم الكعبة وإصلاح بنائها وكيف لا يحصل الاختلال بعده في أهل بيته الذين قتلوا آبائهم وأعمامهم وأقاربهم انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول ما ذكر من قول الأنصار إن الرجل أدركته رغبة في قومه فهذا كان من غاية شدتهم في الدين وكانوا يحبون أن يقتلوا الكفرة المتمردين وأيضا كانوا يخافون من أن يرغب رسول الله (ص) في الإقامة بمكة ويترك المدينة ولهذا دعاهم رسول الله (ص) وقال لهم المحيا محياكم والممات مماتكم ثم إن الكريم من يعد هفواته وأما ما ذكر من حديث عايشة فإنه يدل على أن هذا الرجل أعجمي لا يعرف عرف كلام العرب أصلا فإن المراد من خطاب عايشة في الحديث وإن قومها حديث عهد بالكفر ليس بني تيم بل المراد القريش كلهم ومن عادت المتكلم أن ينسب القوم إلى المخاطب إذا كانوا من قومه والرجل حسب أن المراد بني تيم وجعله من المطاعن وهذا باطل صريح يفهمه كل من يعرف العرف وإنما كف رسول الله (ص) عن تغيير بناء الكعبة لحداثة عهد قريش بالإسلام وكان مظنة الارتداد كما ألف قلوبهم بنفل الغنايم والغرض أنه لم يرد به قوم عايشة وهم بنو تيم فإنهم لم يكونوا ذلك اليوم من الأعيان في قريش ولم يرد به أبا بكر وطلحة كما لا يخفى انتهى وأقول ما ذكره في هذا المقام أشبه بكلام الممرور من كلام من يعقل ويتكلم من ذوي الشعور ولعمري إنه لو قيل لإنسان أسخف و اجتهد ما قدر أسخف من هذا وذلك لظهور إن طعن المصنف قدس سره على كلام الأنصار وليس بالنظر إلى كراهتهم رغبة رسول الله (ص) إلى قريش وحبهم لمن يعنلوا هؤلاء الكفرة حتى يتكلف لتوجيه ذلك مما لا طايل تحته بل الطعن إنما هو بالنظر إلى تعبيرهم عن النبي (ص) بالرجل دون النبي والرسول ونحو ذلك فإن التعبير بالرجل في عرف العرب إنما يكون لقصد الإهانة والاستخفاف كما أن هذا الناصب المقلد لهؤلاء قد عبر أيضا عن المصنف ههنا وفي غيره من المواضع بالرجل لقصد ذلك كما لا يخفى وأما قوله الكريم من يعد هفواته فمسلم لكن ما وقع عن القوم من الاستخفاف بالنبي (ص) فوق الهفوة بل هو في حد الكفر نعوذ بالله منه وأما ما ذكره في الجواب عن استدلال المصنف بحديث عايشة فهو أيضا قعقعة لا طايل تحتها فإن المصنف قدس سره لم يقل أن المراد من القوم بني تيم بل اعتقد أن المراد جمهور القريش كيف وهذا دخل وأتم في حصول غرضه من تخصيص الطعن فإن بني تيم كما اعترف به الناصب ههنا وذكره غيره أيضا أذل قوم من قريش فلم يكن خوفه صلوات الله عليه منهم فقط وكذا لم يقع الاختلال بعده في أهل بيته من مجرد تيم وشيخهم بل من اتفاق طوايف قريش على ذلك فلو خص القوم بتيم لم يتم كلامه كما لا يخفى ومن المضحكات تقييده لنفي كون بني تيم من أعيان قريش بذلك اليوم فافهم قال المصنف رفع الله درجته وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند عايشة عن عبد الله بن عمرو بن العاص في الحديث الحادي عشر من أفراد مسلم قال إن النبي (ص) قال إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أي قوم أنتم قال عبد الرحمن بن عوف يكون كما أمرنا رسول الله (ص) فقال رسول الله تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتبادرون ثم تتباغضون وفي رواية ثم تنطلقون إلى مساكن المهاجرين فتحملون بعضهم على رقاب بعض وهذا ذم منه (ص) لأصحابه انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول هذا نصيحة وتنبيه وإرشاد إلى عدم التناقض والتحاسد والتباغض عند إقبال الدنيا عليهم وليس من شأن رسول الله (ص) أن يذم أصحابه فقد ثبت
(٢٧٤)