إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٧٥
في الصحاح أن عمر قال لرسول الله (ص) دعني أضرب عنق عبد الله بن أبي سلول حين ظهر نفاقه فقال لا لا يقال إن محمدا يقتل أصحابه والغرض أنه (ص) كان مشفقا مرشدا لا معنفا لا كما يدعيه ابن المطهر انتهى وأقول ما ذكره في تأويل كلام النبي (ص) أشبه بتأويلات الباطنية من الملاحدة كما لا يخفى على المتأمل العارف بأساليب الكلام وأما ما ذكره من حديث عمر فلا دلالة له على كفه (ع) عن ذم من استحق الذم وإنما منطوقه ومفهومه كفه عن قتل بعض المنافقين من أصحابه حذرا عن تشنيع بعض آخر منهم عليه وأين هذا من ذلك قال المصنف رفع الله درجته وفي الجمع بين الصحيحين في مسند المسيب ابن حزن بن أبي وهب من أفراد البخاري أن سعيد بن المسيب حدث أن جده حزنا قدم على النبي (ص) فقال ما اسمك قال اسمي حزن فقال بل أنت سهل قال ما أنا يغير اسم سمانيه أبي وفي رواية قلت لا أغير اسما سمانيه أبي قال ابن المسيب فما زالت فيها الحزونة بعد وهذه مخالفة ظاهرة من الصحابي للنبي (ص) فيما لا يضره بل فيما ينفعه فكيف لا يخالفونه بعده فيما ينفعونهم انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مخالفة رسول الله (ص) فيما يأمر وينهى عنه من أمور الشريعة حرام وفسق و أما ما يتعلق بأمثال هذا فلا يوجب حرمته ألا ترى أن النبي (ص) قال لبريرة حين شفعه في رجعة مغيث ألا تراجعيه فقال أتأمرني بهذا قال إنما أشفع قال لا حاجة لي فيه فعلم من هذا أن الشفاعة وتغيير الاسم وأمثال هذا لا يوجب مخالفته قدحا وهذا لا يصير دليلا وبرهانا على أن الصحابة خالفوا رسول الله وتركوا نصه بعده كما لا يخفى انتهى وأقول كل من آمن برسول الله (ص) عارفا بعلو شأنه وسمو مكانه عند الله تعالى علم أن امتثال جميع أوامره واجب على أمته ولو لم يكن تغيير الاسم على حزن واجبا بموجب أمر النبي (ص) لما انتقم الله تعالى منه بوضع ذل الحزونة في أولاده كما نقل عن ابن المسيب وأما ما ذكره من التنوير المظلم فهو عليه لا له لأن قول بريرة للنبي (ص) أتأمرني ثم إضراب النبي (ص) عن ذلك بقوله إنما أشفع صريحان في عدم إرادة الأمر وأنه لو أمر النبي (ص) بذلك لامتثل بريرة وجوبا ولعله لما التمسوا منه (ص) شفاعته عن بريرة في ذلك وعلم (ص) أنه ليس مصلحة بريرة في قبول ذلك لم يأمر به بل اكتفى بأصل الشفاعة مراعاة لحال الجانبين ولو سلم أن بريرة أيضا خالف الأمر في ذلك لكان في مرتبة حزن فيتوجه الطعن عليه أيضا وحينئذ يكون التنوير المذكور زيادة نعمة في طنبور الطعن لا دفعا له كما لا يخفى قال المصنف رفع الله درجته وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين من المتفق عليه من مسند أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب ينحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها وآمر رجلا يؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرفا سمينا وخبزا برا لشهد العشاء وهذا ذم من النبي (ص) لجماعة من أصحابه حيث لم يحضروا الصلاة جماعة معه انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول هذا تهديد واحتساب وتوعيد على ترك الصلاة للمتكاسلين والناس لا يخلو عن الكسل وربما قال هذا في جماعة المنافقين لا أنه (ص) ذكر هذا على سبيل التعنيف والإيذاء بل قصد إرشادهم إلى الجماعة كما دأب أرباب الاحتساب والمرشد قد يوعد ويهدد ولا يقصد الذم والله أعلم انتهى وأقول بل ما روى عنه (ص) فوق مرتبة التهديد والاحتساب فإنه صلوات الله عليه حلف بالذي نفسه بيده بأنه هم وأشرف على إحراق بيوتهم لتكاسلهم في الصلاة وهذا الأسلوب صريح في تكاسل القوم وتماديهم في ذلك وأنه (ص) ما تأذى عنهم بهذه المرتبة من الايذاء التي أشرفته على إحراق بيوتهم إلا بعد تكرر مراتب النصيحة والإرشاد لما تقرر من وجوب التدرج في الأمر بالمعروف من الأسهل إلى الأصعب ولو كان مراده (ص) مجرد التهديد والتوعيد والاحتساب لما أتى بهذا الأسلوب من الخطاب بل كان يحلف كما هو المتعارف على طريقة التعليق باه لو لم يصلوا لفعل بهم كذا وهذا ظاهر على من اتقن شرايط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليضرب المنكر رأسه على الحجر قال المصنف رفع الله درجته وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند حذيفة بن اليمان عن زيد بن زيد قال كنا عند حذيفة فقال رجل لو أدركت رسول الله (ص) قلتلت معه فأبليت فقال حذيفة بن اليمان أنت تفعل معه ذلك لقد رأينا مع رسول الله (ص) ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وقتر فقال رسول الله (ص) ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة فسكتنا ولم يجبه أحد منا ثم قال ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة فلم يجبه أحد منا فقال قم يا حذيفة قال فلم أجد بدا إذا دعاني باسمي إلى أن أقوم فقال اذهب فاتني بخبر القوم ولا تزعهم علي فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام حتى رايتهم فرأيت أبا سفيان يصطلي ظهره بالنار فوضعت سهما في كبد القوس فأردت أن أرميه فذكرت قول رسول الله (ص) لا تزعهم علي فلو رميته لأصبته فرجعت و أنا أمشي في مثل الحمام فلما أتيته فأخبرته خبر القوم وفرغت وقررت فألبسني رسول الله (ص) من فضل عبأ كانت عليه يصلي بها فلم أزل نائما حتى أصبحت قال قم يا نومان وهذا يدل على التهاون في أمره (ص) والإعراض عن مطالبه وقلة القبول منه وترك المراقبة لله تعالى وإيثارهم الحياة على لقاء الله تعالى فكيف يستبعد منهم المخالفة بعد موته انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول الإنسان عند الشدايد البدنية قد يضطرب حاله ولا يطيق مقاساتها ويتغير أحواله والبشر لا يخلو من هذه الأشياء وإنما ذكر حذيفة هذه الحكاية لئلا يغتر الناس بإسلامهم ولا يتمنوا الشدايد وأمثال هذا لا يعده المؤمن المنصف من المطاعن في الذين بذلوا نفوسهم وأموالهم في سبيل الله سيما حذيفة فإنه صاحب سر رسول الله (ص) والشيعة أيضا يعدونه من خواص الأصحاب ومن مارس الشدايد والحروب يعلم أن أمثال هذا قد يعرض الإنسان عند شدة الأمر وهذا لا يصير دليلا على مخالفتهم لنص رسول الله (ص) بعد وفاته انتهى وأقول نعم الإنسان عند الشدايد قد يضطرب حاله لكن يستبعد شمول الشدة في ذلك المقام لألوف من الصحابة بحيث لا يقدر أحد منهم على الإقدام إلى تحصيل مطلوب نبيهم (ص) وأي مخرج عن شدة يرد تلك الليلة أتم من الاصطلاء بنار امتثال أمره (ص) لو كانوا آمنوا به حق الإيمان وأذعنوا بأن امتثال أمره يوجب تسهيل شدايد الأيام كما جعل الهواء البارد على حذيفة كالحمام وحيث توقف الكل في ذلك دل على ضعف إيمان الكل ويتوجه الطعن والذم على الكل وأما ما ذكره من أن حذيفة كان صاحب سر رسول الله (ص) ومن خواص أصحابه عند الشيعة أيضا
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»