إحقاق الحق (الأصل) - الشهيد نور الله التستري - الصفحة ٢٨٢
سنأتي البيت فنطوف به قال عمر فأتيت أبا بكر فقلت يا أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي هذه الدنية في ديننا إذا قال أيها الرجل إنه رسول الله (ص) ولا يعصي لربه وهو ناصره فاستمسك بعذره فوالله إنه على الحق قلت أليس كان يحدثنا إنه سيأتي البيت ويطوف به قال فأخبرك أنه يأتيه العام قلت لا قال فإنك ايته ويأتيه تطوف به وزاد الثعلبي في تفسيره عند ذكر سورة الفتح وغيره من الرواة أن عمر بن الخطاب قال ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ وهذا الحديث يدل على تشكك عمر والإنكار على رسول الله (ص) فيما فعله بأمر الله ثم رجوعه إلى أبي بكر حتى أجابه أبو بكر بالصحيح وكيف استجاز عمر أن يوبخ النبي (ص) ويقول له عقيب قول رسول الله (ص) إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري أليس كنت تحدثنا إنا سنأتي البيت ونطوف به انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول أما ما ذكر إن عمر نهى أبا هريرة عن تبليغ الرسالة فاتفق العلماء على أن ذلك يدل على كمال علم عمر وعلو منزلته عند رسول الله (ص) حيث مكنه بعد الاعتراض وذلك أن النبي (ص) بعث أبا هريرة مبشر الناس بأن التيقن في الشهادة كاف في دخول الجنة على أي عمل كان خيرا أو شرا وهذا يوجب أن الفاسق يعتمد ولا يتوب ويقول أنا مستيقن بالشهادة وقد بشرني رسول الله (ص) بدخول الجنة فلا ارتدع من الفسق والذنوب وكان يودي هذا إلى ترك الأعمال وكان رسول الله (ص) حيث يبلغ هذا في مقام البسط والثقة بالتوحيد وإنه كاف في النجاة إذا حصل كماله فإن كمال اليقين بالتوحيد ينفي درن الذنوب ولا يبقى معه شئ ولكن هذا المعنى لم يفهمه العامة لأنهم يفهمون من اليقين ما هم عليه والحال أن اليقين حال المشاهدة ولهذا الكلام بسط لا يليق بهذا المقام فلما سمع عمر هذا الكلام من أبي هريرة علم أنه (ص) كان في مقام البسط والعامة لا يفهمون ضيقة هذا ولا يدركون مهية اليقين وأنه كيف يتحقق في المرء فيحسبون أن ما هم عليه من الشهادة بالتوحيد هو اليقين الذي بشر رسول الله (ص) بأن صاحبه يدخل الجنة إذا كان متصفا به وهذا يوجب أن يتكلوا ويتركوا العمل ولهذا لما ذكر عمر عذره عند رسول الله (ص) تابع رأيه وقال خلهم يعملوا وهذا يصدق ما ذكرنا قبله أن عمر كان له هذا المنصب عند رسول الله (ص) ومن حمل هذا من عمر على ترك الأدب فهو من الرفضة المبتدعة الجهلة الذي لا يعلم حقيقة الحال فنقول له لو كان هذا إساءة أدب منه مع رسول الله (ص) لكان ينبغي أن يضرب عنقه ويأمر عليا أو أحد من الصحابة أن يضرب عنق عمر لنفاقه وإسائته الأدب أكان رسول الله (ص) يخاف من عمر أم كان لا يقدر على قتله ولو كان أمثال هذه الأمور صادرة عن عمر لإسائة الأدب لكان مشتهرا بالنفاق كعبد الله بن أبي سلول نعوذ بالله من هذه الاعتقادات الفاسدة مع أن فعل عمر موافق لمذهب الإمامية فإن جزاء الأعمال عندهم واجب على الله تعالى وليس الشهادة وحدها كافية في النجاة من النار وأما ما ذكر أن عمر أساء الأدب لأبي هريرة حين ضربه حتى خر على استه فالجواب أن عمر كان أميرا مبجلا وكان وزيرا لرسول الله (ص) ولم يعد ضرب عمر لأبي هريرة من إساءة الأدب وهذا كما يضرب الأمراء والمقربون ساير الجنود ويأمرونهم وينهونهم وربما كان أبو هريرة لم يمتنع من الأداء بمجرد نهي عمر فأحوجه إلى الضرب في أمثال هذا لا يذكره إلا من يتبع عوام الناس وقصد عمر في فعله معلوم وأنه لم يرد بما فعله إلا حفظ الإسلام ورعاية قواعد الدين وأما ما ذكره من حديث يوم الحديبية وأن عمر قال للنبي (ص) ألسنا على الحق وعدونا على الباطل فالجواب أن هذه شبهة دارت في خاطره وأراد دفعها والجواب عنها فسأل رسول الله (ص) ثم سئل أبا بكر حتى ارتفع الشك من خاطره والإنسان يعرضه أمثال هذا ألا تسمع قول الله تعالى في الرسل حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا الآية وطلب رفع الشك بأي عبارة كانت لا يكون ترك الأدب ولم يذكر عمر ما ذكر للتوبيخ وتعنيف رسول الله (ص) بل ذكر لدفع الشبهة ودفع التردد وهذا على المؤمن الموافق ظاهر انتهى وأقول الذين اتفقوا على أن ذلك يدل على علم عمر علماء سوء مجبولين على سوء الفهم وإلا فكل ذي فهم يفهم منه أنه (ع) إنما أعرض عن إمضاء ذلك بعد اعتراض عمر لما رأى من فظاظته وغلظته وجلافته مع أبي هريرة بل معه أيضا صلوات الله عليه وأما ما ذكره من أن النبي (ص) بعث أبا هريرة مبشرا للناس بأن التيقن بالشهادة كاف في دخول الجنة إلى آخره فهو افتراء على الرسول (ص) وكيف يجوز عاقل أن يتيقن شهادة أن لا إله إلا الله وحده بدون الشهادة على نبوة نبيه كاف في ذلك فبالضرورة يعلم من سمع ذلك من العالم والعامي أن مراد النبي (ص) إن الشهادة المذكورة مع لواحقها وشرايطها من الاقرار بالنبوة وامتثال الأوامر والاجتناب عن النواهي موجب لدخول الجنة لا ما فهمه عمر وهذا كما روى عن مولانا الرضا (ع) أنه روى الحديث المذكور ثم قال بشرايطها وأنا من شرايطها بل نقول إن قوله (ع) مستيقنا بها يدل على اشتراط ما ذكرنا فإن التقن بوحدة الإله لا يتحقق إلا مع الشهادة بنبوة نبيه (ص) والاحتراز عن مخالفة أوامره ونواهيه فلا يلزم اتكالهم على العمل كما زعمه عمر وأيضا وأن قال لهم رسول الله (ص) في الحديث المذكور أن الإيمان بالله تعالى موجب للنجاة والدخول في الجنة فقد أخبرهم أيضا بالخوف عليهم من زوال الإيمان ولو عند الموت وليس زوال الإيمان إلا المعاصي كما أشار إليه سبحانه وتعالى في قوله ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السؤى؟ إن كذبوا بآيات الله فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعده وأيضا إنما يكف عن العمل بسبب تلك البشارة من لا عقل له أولا رسوخ له في الذين فلا وجه لحرمان العقلاء الراسخين عن تلك البشارة لأجل شرذمة من الجهلاء المتساهلين كما قال تعالى يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين والجماعة الذين يضلون السبيل بمثل تلك البشارة هم الضالون اللذون لولا تلك البشارة لضلوا وأضلوا بكلام آخر وسبب آخر فلا يجوز من الله تعالى ورسوله (ص) أن يجعلا أهل الهداية محروما عن مستحقهم لأجل ما يمتنع تححققه من صيانة المحرومين عن الهداية للسالكين سبيل الضلالة والغواية وأما ما ذكره من أن النبي (ص) أراد باليقين كماله الحاصل حال المشاهدة وأن هذا المعنى لم يفهمه العامة ففيه أن النبي (ص) إنما يكلم الناس على قدر عقولهم فكون ذلك المعنى مرادا له في خبر المنع بل المراد ما ذكرناه قبيل ذلك وهو مع كونه مما يفهمه العالم والعامي لا يؤدي بهم إلى ترك الأعمال كما عرفت وأما ما ذكره من أن عمر لما ذكر عذره عند رسول الله (ص) تابع رأيه وقال خلهم يعملوا ففيه أن ذلك لا يدل على متابعة رسول الله (ص) لرأي عمر بل على طرحه وإعراضه وفي قوله (ص) خلهم دون قوله خلهم أن يعملوا إشارة إلى ذلك وإنما إضافة قوله أن يعملوا في كلام النبي (ص) من إضافات الناصب خفضه الله تعالى دفعا
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»